القسم الثاني من هذا الكتاب المشتمل على تفسير ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) في المباحث النقلية والعقلية وفيه أبواب : -
الباب الأول
في المسائل الفقهية المستنبطة من قولنا : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )
المسألة الأولى :
اتفق الأكثرون على أن
وقت قراءة الاستعاذة قبل قراءة الفاتحة ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي أنه بعدها ، وهو قول
داود الأصفهاني ، وإحدى الروايتين عن
ابن سيرين ، وهؤلاء قالوا : الرجل إذا قرأ سورة الفاتحة بتمامها وقال : ( آمين ) فبعد ذلك يقول : أعوذ بالله ، والأولون احتجوا بما روى
nindex.php?page=showalam&ids=67جبير بن مطعم nindex.php?page=hadith&LINKID=16011093أن النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة قال : الله أكبر كبيرا ثلاث مرات ، والحمد لله كثيرا ثلاث مرات ، وسبحان الله بكرة وأصيلا ثلاث مرات ، ثم قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه .
واحتج المخالف على صحة قوله بقوله سبحانه : (
فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) [ النحل : 98 ] دلت هذه الآية على أن قراءة القرآن شرط ، وذكر الاستعاذة جزاء ، والجزاء متأخر عن الشرط ، فوجب أن تكون الاستعاذة متأخرة عن قراءة القرآن ، ثم قالوا : وهذا موافق لما في العقل ؛ لأن
من قرأ القرآن فقد استوجب الثواب العظيم ، فلو دخله العجب في أداء تلك الطاعة سقط ذلك الثواب ؛ لقوله عليه الصلاة
[ ص: 58 ] والسلام "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011094ثلاث مهلكات " وذكر منها إعجاب المرء بنفسه ؛ فلهذا السبب أمره الله سبحانه وتعالى بأن يستعيذ من الشيطان ؛ لئلا يحمله الشيطان بعد قراءة القرآن على عمل يحبط ثواب تلك الطاعة .
قالوا : ولا يجوز أن يقال : إن المراد من قوله تعالى : (
فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ) أي : إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ كما في قوله تعالى : (
إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) [ المائدة : 6 ] والمعنى إذا أردتم القيام إلى الصلاة ؛ لأنه يقال : ترك الظاهر في موضع الدليل لا يوجب تركه في سائر المواضع لغير دليل .
أما جمهور الفقهاء فقالوا : لا شك أن قوله : (
فإذا قرأت القرآن فاستعذ ) [ النحل : 98 ] يحتمل أن يكون المراد منه : إذا أردت ، وإذا ثبت الاحتمال وجب حمل اللفظ عليه توفيقا بين هذه الآية وبين الخبر الذي رويناه ، ومما يقوي ذلك من المناسبات العقلية أن
المقصود من الاستعاذة نفي وساوس الشيطان عند القراءة ، قال تعالى : (
وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ) [ الحج : 52 ] وإنما أمر تعالى بتقديم الاستعاذة قبل القراءة لهذا السبب .
وأقول : ههنا قول ثالث : وهو أن يقرأ الاستعاذة قبل القراءة بمقتضى الخبر ، وبعدها بمقتضى القرآن جمعا بين الدليلين بقدر الإمكان .