أما قوله تعالى : (
وبينات من الهدى والفرقان ) ففيه إشكال وهو أن يقال : ما معنى قوله : (
وبينات من الهدى ) بعد قوله : ( هدى ) .
وجوابه من وجوه :
الأول : أنه تعالى ذكر أولا أنه هدى ، ثم الهدى على قسمين : تارة يكون كونه هدى للناس بينا جليا ، وتارة لا يكون كذلك ، والقسم الأول لا شك أنه أفضل ، فكأنه قيل : هو هدى لأنه هو البين من الهدى ، والفارق بين الحق والباطل ، فهذا من باب ما يذكر الجنس ويعطف نوعه عليه ، لكونه أشرف أنواعه ، والتقدير كأنه قيل : هذا هدى ، وهذا بين من الهدى ، وهذا بينات من الهدى ، ولا شك أن هذا غاية المبالغات .
الثاني : أن يقال : القرآن هدى في نفسه ، ومع كونه كذلك فهو أيضا بينات من الهدى والفرقان ،
والمراد بالهدى والفرقان : التوراة والإنجيل ، قال الله تعالى : (
نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان ) [ آل عمران : 3 ] وقال : (
وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون ) [ البقرة : 53 ] وقال (
ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين ) [ الأنبياء : 48 ] فبين تعالى وتقدس أن
القرآن مع كونه هدى في نفسه ففيه أيضا هدى من الكتب المتقدمة التي هي هدى وفرقان .
الثالث : أن يحمل الأول على أصول الدين ، والهدى الثاني على فروع الدين ، فحينئذ يزول التكرار والله أعلم .