وأما
قوله تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : نقل
الواحدي - رحمه الله - في " البسيط " عن
الأخفش والمازني أنهما قالا : الفاء في قوله : (
فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) زائدة ، قالا : وذلك لأن الفاء قد تدخل للعطف أو للجزاء أو تكون زائدة ، وليس للعطف . والجزاء ههنا وجه ، ومن زيادة الفاء قوله تعالى : (
قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب ) [ الجمعة : 8 ] .
وأقول : يمكن أن يقال الفاء ههنا للجزاء فإنه تعالى لما بين كون رمضان مختصا بالفضيلة العظيمة التي لا يشاركه سائر الشهور فيها ، فبين أن اختصاصه بتلك الفضيلة يناسب اختصاصه بهذه العبادة ، ولولا ذلك لما كان لتقديم بيان تلك الفضيلة ههنا وجه كأنه قيل : لما علم اختصاص هذا الشهر بهذه الفضيلة فأنتم أيضا خصوه بهذه العبادة ، أما قوله تعالى : (
فإنه ملاقيكم ) [ الجمعة : 8 ] ، الفاء فيه غير زائدة وأيضا بل هذا من باب مقابلة الضد بالضد كأنه قيل : لما فروا من الموت فجزاؤهم أن يقرب الموت منهم ليعلموا أنه لا يغني الحذر عن القدر .