المسألة الثانية : الآية تدل على أنه إنما يعرف بحدوث تلك الأشياء على وفق غرض الداعي ، فدل على أنه لولا مدبر لهذا العالم يسمع دعاءه ولم يخيب رجاءه ، وإلا لما حصل ذلك المقصود في ذلك الوقت .
واعلم أن قوله تعالى : (
فإني قريب ) فيه سر عقلي ؛ وذلك لأن اتصاف ماهيات الممكنات بوجوداتها إنما كان بإيجاد الصانع ، فكان إيجاد الصانع كالمتوسط بين ماهيات الممكنات وبين وجوداتها ، فكان
الصانع أقرب إلى ماهية كل ممكن من وجود تلك الماهية إليها ، بل ههنا كلام أعلى من ذلك وهو أن الصانع هو الذي لأجله صارت ماهيات الممكنات موجودة ، فهو أيضا لأجله كان الجوهر جوهرا والسواد سوادا والعقل عقلا والنفس نفسا ، فكما أن بتأثيره وتكوينه صارت الماهيات موجودة ؛ فكذلك بتأثيره وتكوينه صارت كل ماهية تلك الماهية ، فعلى قياس ما سبق كان الصانع أقرب إلى كل ماهية من تلك الماهية إلى نفسها ، فإن قيل : تكوين الماهية ممتنع لأنه لا يعقل جعل السواد سوادا ؛ فنقول : فكذلك أيضا لا يمكن جعل الوجود وجودا لأنه ماهية ، ولا يمكن جعل الموصوفية دالة للماهية فإذن الماهية ليست بالفاعل ، والوجود ماهية أيضا فلا يكون بالفاعل ، وموصوفية الماهية بالوجود هو أيضا ماهية فلا تكون بالفاعل ، فإذن لم يقع شيء البتة بالفاعل ، وذلك باطل ظاهر البطلان ، فإذن وجب الحكم بأن الكل بالفاعل ، وعند ذلك يظهر الكلام الذي قررناه .