صفحة جزء
الحكم التاسع

( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون )

قوله تعالى : ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون )

في الآية مسائل :

المسألة الأولى : نقل عن ابن عباس أنه قال : ما كان قوم أقل سؤالا من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - سألوا عن أربعة عشر حرفا فأجيبوا .

وأقول : ثمانية منها في سورة البقرة :

أولها : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ) [ البقرة : 186 ] .

وثانيها : هذه الآية ثم الستة الباقية بعد في سورة البقرة ، فالمجموع ثمانية من هذه السورة .

والتاسع : قوله تعالى في سورة المائدة : ( يسألونك ماذا أحل لهم ) [ المائدة : 4 ] .

والعاشر : في سورة الأنفال ( يسألونك عن الأنفال ) [ الأنفال : 1 ] .

والحادي عشر : في بني إسرائيل ( ويسألونك عن الروح ) [ الإسراء : 85 ] .

والثاني عشر : في الكهف ( ويسألونك عن ذي القرنين ) [ الكهف : 83 ] .

والثالث عشر : في طه ( ويسألونك عن الجبال ) [ طه : 105 ] .

والرابع عشر : في النازعات ( يسألونك عن الساعة ) [ النازعات : 42 ] .

ولهذه الأسئلة ترتيب عجيب : اثنان منها في الأول في شرح المبدأ :

فالأول : قوله : ( وإذا سألك عبادي عني ) [ البقرة : 186 ] وهذا سؤال عن الذات .

والثاني : قوله ( يسألونك عن الأهلة ) ، وهذا سؤال عن صفة الخلاقية والحكمة في جعل الهلال على هذا الوجه ، واثنان منها في الآخرة في شرح المعاد :

أحدهما : قوله : ( ويسألونك عن الجبال ) [ طه : 105 ] .

والثاني : قوله : ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها ) [ النازعات : 42 ] ، ونظير هذا أنه ورد في القرآن سورتان :

أولاهما : ( يا أيها الناس ) أحدهما في النصف الأول ، وهي السورة الرابعة من سورة النصف الأول ، فإن أولاها الفاتحة وثانيتها البقرة وثالثتها آل عمران ورابعتها النساء ، وثانيتهما في النصف الثاني من القرآن وهي أيضا السورة الرابعة من سور النصف الثاني أولاها مريم ، وثانيتها طه ، وثالثتها الأنبياء ، ورابعتها الحج ، ثم ( يا أيها الناس ) التي في النصف الأول تشتمل على شرح المبدأ ، فقال ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ) [ النساء : 1 ] ، و ( يا أيها الناس ) التي في النصف الثاني تشتمل على شرح المعاد فقال : ( ياأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) [ الحج : 1 ] فسبحان من له في هذا القرآن أسرار خفية ، وحكم مطوية لا يعرفها إلا الخواص من عبيده .

المسألة الثانية : روي أن معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم وكل واحد منهما كان من الأنصار قالا يا رسول [ ص: 103 ] الله : ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يمتلئ ويستوي ، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ ، لا يكون على حالة واحدة كالشمس ، فنزلت هذه الآية ويروى أيضا عن معاذ أن اليهود سألت عن الأهلة .

واعلم أن قوله تعالى : ( يسألونك عن الأهلة ) ليس فيه بيان أنهم عن أي شيء سألوا ، لكن الجواب كالدال على موضع السؤال ؛ لأن قوله : ( قل هي مواقيت للناس والحج ) يدل على أن سؤالهم كان على وجه الفائدة والحكمة في تغير حال الأهلة في النقصان والزيادة ، فصار القرآن والخبر متطابقين في أن السؤال كان عن هذا المعنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية