أما قوله تعالى : (
واتقون ياأولي الألباب ) فاعلم أن لباب الشيء ولبه هو الخالص منه ، ثم اختلفوا بعد ذلك ،
[ ص: 145 ] فقال بعضهم : إنه اسم للعقل ؛ لأنه أشرف ما في الإنسان ، والذي تميز به الإنسان عن البهائم وقرب من درجة الملائكة ، واستعد به للتمييز بين خير الخيرين ، وشر الشرين ، وقال آخرون : إنه في الأصل اسم للقلب الذي هو محل العقل ، والقلب قد يجعل كناية عن العقل ، قال تعالى : (
إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) [ق : 37] فكذا ههنا جعل اللب كناية عن العقل ، فقوله : (
واتقون ياأولي الألباب ) معناه : يا أولي العقول ، وإطلاق اسم المحل على الحال مجاز مشهور ، فإنه يقال لمن له غيرة وحمية : فلان له نفس ، ولمن ليس له حمية : فلان لا نفس له ، فكذا ههنا .
فإن قيل : إذا كان لا يصح إلا خطاب العقلاء فما الفائدة في قوله : (
واتقون ياأولي الألباب ) .
قلنا : معناه إنكم لما كنتم من أولي الألباب كنتم متمكنين من معرفة هذه الأشياء والعمل بها ، فكان وجوبها عليكم أثبت ، وإعراضكم عنها أقبح ، ولهذا قال الشاعر :
ولم أر في عيوب الناس شيئا كنقص القادرين على التمام
ولهذا قال تعالى : (
أولئك كالأنعام بل هم أضل ) [الأعراف : 179] يعني الأنعام معذورة بسبب العجز ، أما هؤلاء القادرون فكان إعراضهم أفحش ، فلا جرم كانوا أضل .