أما قوله تعالى : (
ومن يبدل نعمة الله ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قرئ ( ومن يبدل ) بالتخفيف .
المسألة الثانية : قال
أبو مسلم : في الآية حذف ، والتقدير : كم آتيناهم من آية بينة وكفروا بها ؛ لكن لا يدل على هذا الإضمار قوله : (
ومن يبدل نعمة الله ) .
المسألة الثالثة : في ( نعمة الله ) ههنا قولان :
القول الأول : أن المراد
آياته ودلائله ، وهي من أجل أقسام نعم الله ; لأنها أسباب الهدى والنجاة من الضلالة ، ثم على هذا القول في تبديلهم إياها وجهان ، فمن قال : المراد بالآية البينة معجزات
موسى عليه السلام ، قال : المراد بتبديلها أن الله تعالى أظهرها لتكون أسباب هداهم فجعلوها أسباب ضلالتهم كقوله : (
فزادتهم رجسا إلى رجسهم ) [التوبة : 125] ومن قال : المراد بالآية البينة ما في التوراة والإنجيل من دلائل نبوة
محمد عليه السلام ، قال : المراد من تبديلها تحريفها وإدخال الشبهة فيها .
والقول الثاني : المراد بنعمة الله ما آتاهم الله من أسباب الصحة والأمن والكفاية , والله تعالى هو الذي أبدل النعمة بالنقمة لما كفروا ، ولكن أضاف التبديل إليهم ؛ لأنه سبب من جهتهم وهو ترك القيام بما وجب عليهم من العمل بتلك الآيات البينات .
أما قوله تعالى : (
من بعد ما جاءته ) فإن فسرنا النعمة بإيتاء الآيات والدلائل كان المراد من قوله : (
من بعد ما جاءته ) أي من بعد ما تمكن من معرفتها ، أو من بعد ما عرفها كقوله تعالى : (
ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) [البقرة : 75] ؛ لأنه إذا لم يتمكن من معرفتها أو لم يعرفها ، فكأنها غائبة عنه ، وإن فسرنا النعمة بما يتعلق بالدنيا من الصحة والأمن والكفاية ، فلا شك أن عند حصول هذه الأسباب يكون الشكر أوجب فكان الكفر أقبح ، فلهذا قال : (
فإن الله شديد العقاب ) قال
الواحدي رحمه الله تعالى : وفيه
[ ص: 5 ] إضمار ، والمعنى شديد العقاب له ، وأقول : بين
nindex.php?page=showalam&ids=13990عبد القاهر النحوي في كتاب "دلائل الإعجاز" أن ترك هذا الإضمار أولى ; وذلك لأن المقصود من الآية
التخويف بكونه في ذاته موصوفا بأنه شديد العقاب ، من غير التفات إلى كونه شديد العقاب لهذا أو لذلك ، ثم قال
الواحدي رحمه الله : والعقاب عذاب يعقب الجرم .