فصل :
وإذا
كان الماء الذي وجده الجنب يكفي أعضاء الوضوء غسلها به ناويا عن الحدثين فتحصل له الطهارة الصغرى وبعض الكبرى ، كما فعل
عمرو وكما أمر به النائم والآكل ، وإذا وجد ما لا يكفيه لم يتيمم حتى يستعمل الماء ليتحقق العدم الذي هو شرط التيمم ويتميز المغسول عن غيره ليعلم ما يتيمم له ، وإن كان بعض أعضائه جريحا أو مريضا فله أن يبدأ إن شاء بالغسل وإن شاء بالتيمم في الحدث الأكبر ؛ لأن الترتيب بين أعضاء الجنب لا يجب في طهارته بالماء فأن لا يجب بين الماء والتراب أولى ، وله أن يفصل بين التيمم والغسلة بزمن طويل كما في أصل الغسلة ، وإن كان في الحدث الأصغر ففيه وجهان :
[ ص: 439 ] أحدهما : يجب الترتيب والموالاة بين التيمم وما يفعله من الوضوء ، كما يجب في نفس الوضوء ، فإذا كان الجرح في وجهه بدأ بالتيمم ثم غسل بقية الوجه وما بعده ، وإن شاء غسل الممكن من الوجه ، ثم يتيمم ثم غسل بقية الأعضاء ، وإن كانت الجروح في الأعضاء كلها تيمم لكل عضو حين يشرع في غسله ، فإن تيمم لها تيمما واحدا كان بمنزلة غسلها جملة واحدة ، وذلك لا يجوز بخلاف ما لو تيمم عن جملة الوضوء ، فإن التيمم هناك بدل عن جملة الوضوء ، وهو طهارة واحدة ، وهنا هو بدل عن المتروك غسله ، وهو أشياء مرتبة ، ويجب عليه أن يغسل الصحيح من أعضائه مع التيمم لكل صلاة ، لتحصل الموالاة بين الوضوء ؛ لأن الترتيب واجب في غسل الموضع الجريح ، فكذلك في بدله ؛ لأن البدل يقوم مقام المبدل ، هذا اختيار القاضي
وابن عقيل .
والثاني : لا يجب في ذلك ترتيب وموالاة كتيمم الجنب ؛ لأنهما طهارتان مفردتان فلم يجب الترتيب والموالاة بينهما ، وإن اتحد بينهما كالوضوء والغسل ، ولأن التيمم لو كان في محل الجرح لكان حريا أن لا يجب ترتيبه على " الوضوء " لأنهما من جنسين ، فأن لا يجب ترتيبه مع مشروع في غير محل الجرح " أولى " . ولأن الترتيب إنما وجب فيما أمر الله بغسله ومسحه ليبدأ بما بدأ الله به ، وهذا الجرح ليس مأمورا بغسله ولا مسحه فلا ترتيب له ، ووجوب الترتيب له لا يلزم منه الترتيب لبدله لأن البدل في غير " محل " المبدل منه وهو أخذ منه قدرا وموضعا وصفة ومن غير جنسه ، ثم فيه من المشقة ما ينفيه قوله تعالى : (
وما جعل عليكم في الدين من حرج )
[ ص: 440 ] وقوله تعالى : (
يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) .
وما لا يمكن غسله من الصحيح إلا بانتشار الماء إلى الجرح ، فله حكم الجريح كما قلنا في الجبيرة ، فإن أمكنه ضبطه بحيث لا ينتشر الماء إليه لزمه ، وإن لم يمكنه ضبطه وقدر أن يستنيب من يضبطه لزمه ذلك وإلا سقط غسله وأجزأه التيمم .