[ ص: 194 ] ( فصل )
يجب
الحج عن الميت والعاجز من حيث وجب عليه ، قال القاضي : يلزمهم أن يحجوا عنه من دويرة أهله ، وهو الموضع الذي ملك فيه الزاد ، والراحلة ، سواء كان هو وطنه ، أو لم يكن ، وسواء مات فيه ، أو في غيره ، ثم إن مات في بلد الوجوب حج عنه من ذلك البلد ، وإن مات في بلد أبعد عن
مكة منه ، أو هو في جهة غير جهة بلد الوجوب : حج عنه من بلد الوجوب ولم يجب أن يحج عنه من بلد الموت ، وإن مات ببلد أقرب إلى
مكة من بلد الوجوب : وجب أن يحج عنه من بلد الوجوب أيضا ، إلا أن يكون قد مات قاصدا الحج .
قال في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم : يحج عنه من حيث وجب عليه من حيث أيسر ، قيل له : فرجل من
أهل بغداد خرج إلى
خراسان فأيسر ، ثم تحج عنه من حيث أيسر ، فذكر له أن رجلا قال : يحج عنه من الميقات ، فأنكره .
قيل له : فرجل من
أهل خراسان ، أو من
أهل بغداد خرج إلى
البصرة ، ومات بها ، قال : يحج عنه من حيث وجب عليه .
وقال - في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود - : رجل من
أهل الري وجب عليه الحج
ببغداد ، ومات
بنيسابور نحج عنه من
بغداد ... .
[ ص: 195 ] وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الحج الذي عليه دينا ، وأمر الوارث أن يفعله عنه كما يفعل الدين ، وقد كان عليه أن يحج من دويرة أهله فكذلك من يحج عنه .
ولأن الحجة التي ينشئها من دويرة أهله أفضل ، وأتم من التي ينشئها من دون ذلك بدليل قوله - سبحانه - : (
وأتموا الحج والعمرة لله ) قال
علي - رضي الله عنه - : ( إتمامها أن تحرم بها من دويرة أهلك ) ، يعني أن تنشئ لها سفرا من دويرة أهلك ، فإذا مات فقد استقرت في ذمته على صفة تامة فلا يجزئ أن يفعلها بدون تلك الصفة ؛ ولأنها مسافة وجب قطعها في حال الحياة فوجب قطعها بعد الموت ، كالمسافة من الميقات ، وهذا لأنه لو كان مجرد الحج كافيا لأجزأ الحج عنه من
مكة لأنها حجة تامة .
ولأن قطع المسافة في الحج أمر مقصود ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل ذلك جهادا، فقال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014851الحج جهاد كل ضعيف ) . وقال للنساء : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014920عليكن جهاد لا قتال فيه ؛ الحج والعمرة ) . ولهذا كان ركن الوجوب الزاد والراحلة : هو المال فيجب الحج بوجوده ، وينتفي الوجوب بعدمه .
ومعلوم أن المال لا يحتاج إليه في أفعال الحج ، فإن أكثر المواقيت بينها وبين
مكة دون مسافة القصر ، وذلك القدر لا يعتبر له راحلة ، ولا ملك زاد أيضا ، ولهذا
[ ص: 196 ] ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014921الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب ، يا رب ، ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ) ، ولم يذكر مثل هذا في المصلي ونحوه ؛ لأنه ليس المال من خصائصه .
فلو جاز أن يحج عنه من دون الميقات لسقط ما يعتبر له المال من قطع المسافة .
وأيضا : فإن
النائب يجب أن يحج من حيث وجب على المنوب عنه كالمعضوب فإنه لا بد أن يحج عنه من دويرة أهله ، والميت مثله لأنهما في المعنى سواء .
فإن قيل : فهذا الميت والمعضوب لو قطع هذه المسافة لغير الحج ، ثم أراد إنشاء الحج لم يجب عليه أن يرجع إلى دويرة أهله .
قلنا : وكذلك
لو جاوز الميقات غير مريد لمكة ، ثم عرض له قصدها جاز
[ ص: 197 ] أن يحرم من موضعه ، وإن لم يجز له ابتداء أن يجاوز إلا محرما .
ولأن من حج بنفسه يسقط عنه الفرض بنفس أداء المناسك على أي صفة كان بخلاف من حج من غيره .