أحدها : أنها آخر الأمرين من النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه أمرهم بها عينا بعد أن خيرهم عند الميقات بينها وبين غيرها ، فعلم أنه لم يكن يعلم أولا فضل المتعة حتى أمره الله بها وحضه عليها ، فأمر أصحابه بها وحضهم عليها ، ولو كان - صلى الله عليه وسلم - يعلم أولا من فضل المتعة ما علمه بعد قدومه مكة لكان قد أمرهم بالإهلال بها من الميقات ، ولم يخيرهم بينها وبين غيرها ليستريح من كراهتهم لفسخ الحج ومشقته عليهم ، فإنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ،
الثالث : أن هذه الحجة حجة الوداع لم يحج النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمسلمين قبلها ولا بعدها ، وفيها أكمل الله الدين ، وأتم النعمة ، وأحييت مشاعر إبراهيم ، وأميت أمر الجاهلية ، فلم يكن الله تعالى يختار لرسوله ، وللمؤمنين من السبل إلا أقومها ، ومن الأعمال إلا أفضلها ، وقد اختار الله لهم المتعة .
وهذه الجملة التي ذكرناها من حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمره المسلمين بالمتعة : مما أجمع عليه علماء الأثر ، واستفاض بين أهل العلم ، واشتهر حتى لعله قد تواتر عندهم ، ونحن نذكر من الأخبار بعض ما يبين ذلك :
وعن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن عروة عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - " أنها أخبرته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تمتعه بالعمرة إلى الحج وتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالم عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " . متفق عليه .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن عروة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16015090لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ، ولحللت مع الناس حين حلوا " رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . فهذا الحديث مبين أن الصحابة حلوا إلا من ساق الهدي . وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه صدروا عن مكة ليلة الحصبة ، وهي الليلة التي تلي ليالي منى ، ولم يقيموا بمكة بعد ليالي منى شيئا ، وأنه لم يعتمر بعد الحج أحد ممن كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة وحدها ، حتى أخوها عبد الرحمن الذي كان معها لم يعتمر من التنعيم ؛ لأنهم كانوا قد اعتمروا قبل الحج .
[ ص: 453 ] وقولها : " لا نرى إلا أنه الحج " ؛ تعني : من كان أحرم بالحج ، أو قرن بينهما ، وربما كانوا أكثر الوفد . ترى أنهم يقيمون على حجهم ولا يتحللون منه قبل الوقوف ؛ لأنها قالت : فلما قدمنا تطوفنا بالبيت ، وهي لم تتطوف ، فكانت الكناية عن الحاج في الجملة .
وقولها : لا نذكر حجا ولا عمرة : تعني في التلبية ؛ لأنها قد بينت في رواية أخرى أن منهم من أهل بالحج ، ومنهم من أهل بالعمرة ، ومنهم من قرن بينهما ، وأنها كانت هي متمتعة ، وقولها : فالآخذ بها والتارك لها من الصحابة ، هذا كان بسرف قبل أن يقدموا مكة ؛ لأنه كان إذنا ولم يكن أمرا ، فلما قدموا جزم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأمر ، وتردد بعض الناس ، فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - على من تردد ، فأطاعوا الله ورسوله وتمتعوا ، وتوجع النبي - صلى الله عليه وسلم - على كونه لم يمكنه موافقتهم في الإحلال من أجل هديه ، وبين ذلك ما روى nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر عن nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم nindex.php?page=hadith&LINKID=16015091عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت : " منا من أهل بالحج مفردا ، ومنا من قرن ، ومنا من تمتع " رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
أحدهما : من استمر إهلاله بالحج ، ولم يحوله إلى عمرة ، فإنه لا يتحلل منه ، وكان هذا في حق من ساق الهدي ممن أحرم بالحج ، وكذلك قوله في الحديث : " وأما من أهل بالحج أو جمع الحج والعمرة ، فلم يحلوا حتى كان يوم النحر " . إن لم يكن هذا من قول عروة وكان من قول nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، فإن معناه : من دام إهلاله بالحج ، أو بالحج والعمرة واستمروا : هم الذين لم يحلوا لأجل سوق الهدي ؛ لأنها قد أخبرت في غير موضع أنهم كانوا لا يرون إلا الحج ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر من لم يسق الهدي إذا طاف بالبيت وبين الصفا والمروة أن يحل ، أو أن هذا كان قبل أن يأذن لهم في الفسخ قبل أن يدنوا من مكة في أوائل الإحرام .. . .
وعن النهاس ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16015108إذا أهل الرجل بالحج ، ثم قدم مكة ، فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ، فقد حل ، وهي عمرة " رواه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود ، ورواه أحمد وغيره ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس موقوفا ، وهو أشبه .
وعن عكرمة ، nindex.php?page=hadith&LINKID=16015109عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أنه سئل عن متعة الحج ، فقال : " أهل المهاجرون والأنصار ، وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع وأهللنا ، فلما قدمنا مكة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من [ ص: 463 ] قلد الهدي ، فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة ، وأتينا النساء ، ولبسنا الثياب ، وقال : من قلد الهدي فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله ، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج ، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة فقد تم حجنا وعلينا الهدي ، كما قال الله تعالى : " فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم " إلى أمصاركم الشاة تجزئ ، فجمعوا نسكين في عام بين الحج والعمرة ، فإن الله تعالى أنزله في كتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأباحه للناس غير أهل مكة ، قال الله تعالى : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " وأشهر الحج التي ذكر الله تعالى : شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، فمن تمتع في هذه الأشهر فعليه دم أو صوم . . والرفث : الجماع ، والفسوق : المعاصي ، والجدال : المراء " رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
وعن أبي جمرة قال : " تمتعت فنهاني ناس ، فسألت nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فأمرني فرأيت في المنام كأن رجلا يقول لي : حج مبرور وعمرة متقبلة ، فأخبرت ابن . . [ ص: 464 ] رواه أحمد nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود أوله .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16015128صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن بالمدينة أربعا ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ، ثم بات بها حتى أصبح ، ثم ركب حتى إذا استوت به على البيداء حمد الله ، وسبح وكبر ، ثم أهل بحج وعمرة ، وأهل الناس بهما ، فلما قدمنا أمر الناس فحلوا حتى كان يوم التروية أهلوا بالحج ، وقال : ونحر النبي - صلى الله عليه وسلم - بدنات بيده قياما ، وذبح بالمدينة كبشين أملحين " رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
ومعنى قول عثمان - رضي الله عنه - : إنا كنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنا كنا مشغولين بالجهاد عن إنشاء سفرة أخرى للعمرة لكون أكثر الأرض [ ص: 484 ] كانوا كفارا ، فأما اليوم : فالناس قد أمنوا ، فإفراد كل واحد من النسكين بسفرة هو الأفضل .
وقد روى سعيد عن سلام بن عمرو قال : " شهدت عليا وعثمان وهما يفتيان فتيا شتى ؛ علي يأمر بالمتعة ، وعثمان ينهى عنها ، فقال عثمان لعلي : هل أنت منته ؟ ثم قال : يا أيها الناس إن الله عز وجل قد أمنكم ، ألا إن الحج التام من أهليكم ، والعمرة التامة من أهليكم " ومثل هذا عن إبراهيم قال : " إنما كانت المتعة إذ كان الناس يشغلهم الجهاد عن الحج ، فأما اليوم فقد أمن الله الساحة ونفى العدو فجردوا " رواه سعيد .
فهؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أخبروا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بالمتعة ، وأنهم تمتعوا معه ، وأنها كانت آخر الأمرين ، وأخبروا - أيضا - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تمتع ، لكن هل كانت متعة عمرة أو متعة قران ؟ هذا هو الذي وقع التردد فيه .
وكذلك اختلفت الرواية عن الإمام أحمد ؛ هل الأفضل في حق من ساق الهدي أن يتمتع بعمرة ، أو أن يقرن بينهما ؟ فروي عنه أن القران أفضل ؛ بناء على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قارنا .
وكل من روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تمتع ، فإنه لا يخالف هذا ، فإن الروايات قد اتفقت على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحل من إحرامه لأجل الهدي الذي ساقه ؛ فعلم أنه ليس المقصود بذلك أنه حل من إحرامه .