وأما قوله : "
وأتموا الحج والعمرة لله " فإن المتمتع متم للحج والعمرة سواء كان قد أهل أولا بالحج أو بالعمرة ؛ وذلك لأنه إذا أهل بالحج أولا ، فإنما يفسخه إلى عمرة متمتع بها إلى الحج ، وإنما يجوز له فسخه إذا قصد التمتع ، فيكون قد قصد الحج وحده ، فيكون مدخلا للعمرة في حجه ، وفاعلا للعمرة والحج ، وهذا أكثر مما كان دخل فيه ، ولو أراد أن يخرج من الحج بعمرة غير متمتع بها لم يجز ذلك .
وأما حديث
الحارث بن بلال عن
إسماعيل : قال
[ ص: 516 ] عبد الله : قيل لأبي : حديث
بلال بن الحارث ؟ قال : لا أقول به ولا نعرف هذا الرجل ، ولم يروه إلا
الدراوردي ، وقال أيضا : حديث
بلال عندي ليس يثبت ؛ لأن الأحاديث التي تروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015203اجعلوا حجكم عمرة ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي " فحل الناس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقال - أيضا - : هذا حديث ليس إسناده بالمعروف ، وإنما يروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر إنما كانت المتعة لنا خاصة - يعني متعة الحج .
وقال - أيضا - في رواية
الفضل وابن هانئ : من
الحارث بن بلال ومن روى عنه أبوه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو فلا .
[ ص: 517 ] وقال - في رواية
الميموني - : أرأيت لو عرف
الحارث بن بلال إلا أن أحد عشر رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أين يقع
بلال بن الحارث منهم ؟ !
وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود : ليس يصح حديث في أن الفسخ كان لهم خاصة ، وهذا
nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري يفتي به في خلافة
أبي بكر وصدر من خلافة
عمر ، فقد ضعف
أحمد هذا الحديث ؛ لجهل الراوي ، وأنه لا يعرف
الحارث بن بلال ، لا سيما وقد انفرد به
الدراوردي عن
ربيعة ، ولم يروه عنه مثل مالك ونحوه .
وتخصيصهم بهذا الحديث ترك للعمل بتلك الأحاديث المستفيضة ، وهو مثل النسخ لها . ومثل هذا الإسناد لا يبطل حكم الأحاديث .
[ ص: 518 ] ثم بين
أحمد : أنه يخالف تلك الأحاديث ويعارضها ، وهو حديث شاذ ؛ لأن الحديث الشاذ هو الذي يتضمن خلاف ما تضمنته الأحاديث المشهورة .
فلو كان راويه معروفا لوجب تقديمها عليه ؛ لأن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015203اجعلوا حجكم عمرة ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي " فعم ولم يذكر أن هذا مختص بهم ، ولو كان ذلك مخصوصا بهم لوجب بيانه ولم يؤخر ذلك حتى سأله
بلال بن الحارث . وقد بين لهم في الحديث الصحيح أن هذا ليس لهم خاصة ، وإنما هو للناس عامة على ما ذكرناه ، فدلالة تلك الأحاديث على عموم حكم الفسخ دليل على ضعف هذا الحديث لو كان راويه معروفا بالعدل ، ودليل على أن هذا الحديث ليس بمضبوط ولا محفوظ . ولو كان هذا
[ ص: 519 ] صحيحا لكان له من الظهور والشياع ما لا خفاء به ، ولكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بينه بيانا عاما ، وذلك لأن ما ثبت في حق بعض الأمة من الأحكام ثبت في حق الجميع ، لا سيما في مثل ذلك المشهد العظيم الذي يقول فيه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015198لتأخذوا عني مناسككم " فلو كانوا مخصوصين بذلك الحكم لوجب على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبين ذلك ابتداء ، كما بين حكم الأضحية لما سأله
nindex.php?page=showalam&ids=177أبو بردة بن نيار عن الأضحية بالجذع ، فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015204يجزئ عنك ولا يجزئ عن أحد بعدك " فلو كان الفسخ خاصا لهم لقال : "
إذا طفتم بالبيت وبين الصفا والمروة فحلوا ، وليس ذلك لغيركم " ولم يؤخر بيان ذلك إلى أن يسأله
بلال بن الحارث ؛ فإنه بتقدير أن لا يسأله
بلال كان التلبيس واقعا . وهذا بخلاف قوله
لسراقة لما سأله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015206أعمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد ؟ فقال : بل لأبد الأبد " . فإن هذا الحكم كان معلوما بنفس فعله ، وإنما أجاب السائل توكيدا ، ولما كانت هذه الأحاديث مقتضية لعموم الحكم وثبوته في حق الأمة عارض
أحمد بينها وبين حديث
بلال بن الحارث ، وحكم بشذوذه لما انفرد بما يخالف الأحاديث المشاهير ، والذي يبين ذلك أن الصحابة الذين حدثوا بتلك إنما ذكروها لتعليم السنة ، وبيانها ، واتباعها ، والأخذ بها ، لم يكن قصدهم مجرد القصص . ولو كان الحكم مخصوصا بهم لم يجز أن يرووها رواية مرسلة حتى يبينوا اختصاصهم بها ، فكيف إذا ذكروها لتعليم السنة ؟ ! وهذا دليل على أنهم علموا أن هذه السنة ماضية فيهم وفيمن بعدهم ، فلا يرد هذا بحديث من لم يخبر قوة ضبطه وتيقظه ،
[ ص: 520 ] ويدفع هذه السنن المشهورة المتواترة براوية غير معروف .
وقد تأول بعض أصحابنا ذلك : على أن المراد به هو لنا خاصة من بين من ساق الهدي ؛ لأن من ساق الهدي لم يكن يجوز له الفسخ ، إلا لنفر مخصوص .
وهذا تأويل ساقط ؛ لأن سائق الهدي لم يحل أحد منهم ، ولم يكن يجوز لهم ذلك ، ولكن يشبه - والله أعلم - إن كان لهذا الحديث أصل وهو محفوظ ولم ينقلب على رواية النفي بالإثبات ، فإن غيره ممن هو أحفظ منه بين أنه ليس لنا خاصة ، وهو يقول : " لنا خاصة " فإن كان قد حفظ ذلك فمعناه : أن الفسخ كان واجبا عليهم متحتما لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم به ، وتغيظ عليهم حيث لم يفعلوه وغيرهم من الناس وإن جاز له الفسخ لكنه لا يجب عليه ، ويكون سبب وجوبه عليهم أنه قال أولا : "
من شاء منكم جعلها عمرة " وندبهم إلى ذلك فرأى أناسا قد كرهوا ذلك ، وامتعضوا منه ، واستهجنوه ؛ لأنهم لم يكونوا يعهدون الحل قبل
عرفة في أشهر الحج ، فعزم عليهم الأمر حسما لمادة الشيطان ، وإزالة لهذه الشبهة ، كما أمرهم أولا بالفطر في السفر أمر رخصة ،
[ ص: 521 ] ثم لما دنوا من العدو أمرهم به أمر عزيمة ، وكما أمرهم بالإحلال في عمرة
الحديبية أمر عزيمة لما رآهم قد كرهوا الصلح ، ومعلوم أنه لو لم يصالحهم ، ومضى في عمرته لكان جائزا . على أن
بلالا لم يبين من يعود الضمير إليه في قوله : لنا، فيجوز أن يعود الضمير إلى ذلك الوفد كما تقدم ، ويجوز أن يكون
بلال ممن لم يسق الهدي ، فقال : هو لنا : من لا هدي معه خاصة أم للناس عامة ، فقال : بل لنا خاصة .
وأما قولهم : فهلا وجب الفسخ على كل حاج ، وصار كل من طاف بالبيت حلالا ، سواء قصد التحلل ، أو لم يقصد ، كما يروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وامتنع الإفراد والقران لكونهما مفسوخين .
قلنا : لأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعده حجوا مفردين ، [ وقارنين كما تقدم ذكره عن
أبي بكر وعمر وعثمان ]
وابن الزبير وغيرهم . فعلم أنهم لم يفهموا وجوب التمتع مطلقا .
وأما ما ذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر وغيره من الصحابة في أنهم كانوا مخصوصين بالمتعة - فقد عارض ذلك
أبو موسى ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
وبنو هاشم ، وهم أهل
[ ص: 522 ] بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعلم الناس بسنته ، وقول المكيين من الفقهاء وهم أعلم أهل الأمصار كانوا - بالمناسك . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : " قدم علينا
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس - رضي الله عنهما - متمتعين قال : وقال لي
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : لو خرجت من بلدك الذي تحج منه أربعين عاما ما قدمت إلا متمتعا ، هو أحدث عهد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي فارق الناس عليه ، ولا ينبغي أن يرغب عن ما ثبت عن أهل البيت - رضوان الله عليهم - لاتباع بعض أهل الأهواء لهم في ذلك .
[ ص: 523 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=16023سلمة بن شبيب : قلت
لأحمد : قويت قلوب
الروافض حين أفتيت
أهل خرسان بمتعة الحج ، فقال : يا
سلمة كنت توصف بالحمق ، فكنت أدفع عنك ، وأراك كما قالوا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12998ابن بطة : سمعت
أبا بكر بن أيوب يقول : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12352إبراهيم الحربي يقول : - وسئل عن
فسخ الحج فقال - : " قال
nindex.php?page=showalam&ids=16023سلمة بن شبيب لأحمد : كل شيء منك حسن غير خلة واحدة ، قال : وما هي ؟ قال : تقول بفسخ الحج ، قال
أحمد : كنت أرى لك عقلا ، عندي ثمانية عشر حديثا صحاحا أتركها لقولك ؟!
[ ص: 524 ] وقال
أبو الحسن اللباني : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12352إبراهيم الحربي ، وذكر له
أحمد - رحمه الله - فقال : ما رأيت أنا أحدا أشد اتباعا للحديث ، والآثار منه ، لم يكن يزاله عقل . ثم قال : جاء
nindex.php?page=showalam&ids=16023سلمة بن شبيب إلى
أحمد يوما فقال : يا
أبا عبد الله ، تفتي بحج وعمرة ؟ فقال
أحمد : ما ظننت أنك أحمق إلى اليوم ، ثمانية عشر حديثا أروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أفتي به ، فلم كتبت الحديث ؟ ! قال : وما رأيت
أحمد - رحمه الله - قط إلا وهو يفتي به .
وأما نهي
عمر وعثمان ، وغيرهما عن المتعة ، وحمل ذلك على الفسخ أو على كونها مرجوحة : فاعلم أن
عمر وعثمان وغيرهما نهوا عن
العمرة في أشهر الحج مع الحج مطلقا ، وأن نهيهم له موضع غير الذي ذكرناه .
أما الأول : فهو بين في الأحاديث ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015208جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين حجة وعمرة ، ثم لم ينه عنها حتى مات ، ولم ينزل قرآن يحرمها ، قال رجل برأيه ما شاء " . رواه
مسلم وغيره ، وفي لفظ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015209تمتعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورحم الله عمرا ، إنما ذاك رأي " ، وقد تقدم هذا الحديث ، فبين أن المتعة التي نهى عنها
عمر ، أن
يجمع الرجل بين حجة وعمرة ، سواء جمع بينها بإحرام واحد ، أو أحرم بالعمرة ، وفرغ منها ثم أحرم بالحج ، وكذلك
عثمان " لما نهى عن المتعة فأهل
علي بهما ، فقال : تسمعني أنهى الناس عن المتعة وأنت تفعلها ؟ فقال : لم أكن لأدع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقول أحد " .
[ ص: 525 ] وفي حديث آخر عنه ، أنه أمر أصحابه أن يهلوا بالعمرة لما بلغه نهي
عثمان .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=256السائب بن يزيد أنه : - " استأذن
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان في العمرة في شوال ، فأبى أن يأذن له " . رواه
سعيد .
وعن [
نبيه بن وهب : " أن
عثمان سمع رجلا يهل بعمرة وحج فقال :
علي بالمهل ، فضربه ، وحلقه ، قال ]
نبيه : فما نبت في رأسه شعرة ، وقال
نبيه : إن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب قال : إن الناس يتمتعون بالعمرة مع الحج ، ثم أمر
نوفا فأذن في الناس : إن الصلاة جامعة . فحمد الله عز وجل ، وأثنى عليه ، ثم قال : أقد مللتم الحج دفره ؟ أقد مللتم شعثه ؟ أقد مللتم وسخه ؟ ! والله لئن مللتم ليأتين الله عز وجل بقوم لا يملونه ولا يستعجلونه قبل محله ، والله لو أذنا لكم في هذا لأخذتم بخلاخيلهن في الأراك - يريد أراك عرفة - ثم رجعتم مهلين بالحج .
وأما الثاني : فقد صح عن
عمر وعثمان وغيرهما المتعة قولا وفعلا ؛ فهذا
عمر يروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم - : أنه فعل المتعة هو وأصحابه ، ويقول
للصبي بن معبد - لما أهل جميعا - : هديت سنة نبيك . ويروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
[ ص: 526 ] أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015210أتاني الليلة آت من ربي في هذا الوادي المبارك ، فقال : قل عمرة في حجة " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : " هذا الذي تزعمون أنه نهى عن المتعة - يعني
عمر - سمعته يقول : لو اعتمرت ثم حججت لتمتعت " ، وقال له
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب ،
nindex.php?page=showalam&ids=110وأبو موسى الأشعري : " ألا تبين للناس أمر متعتهم هذه ؟ فقال : وهل بقي أحد لا يعلمها ؟ ! " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : " وما تمت حجة رجل قط إلا بمتعة ، إلا رجل اعتمر في وسط السنة " . وفي رواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، عن
عمر قال : " لو حججت مرة واحدة ثم حججت ، لم أحج إلا بمتعة " . رواهما
سعيد ، وفي لفظ
لأبي [ ص: 527 ] عبيد : " لو اعتمرت ثم حججت لتمتعت " . ورواه
أبو حفص عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس أن
عمر قال : " لو اعتمرت وسط السنة لتمتعت ، ولو حججت خمسين حجة لتمتعت " ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم عن
عمر نحو الحديث الأول ، فقال
عمر : " وهل بقي أحد إلا علمها ؟ أما أنا فأفعلها " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17193نافع بن جبير عن أبيه قال : " ما حج
عمر قط حتى توفاه الله إلا تمتع فيها " .
[ ص: 528 ] وإنما وجه ما فعلوه أن
عمر رأى الناس قد أخذوا بالمتعة ، فلم يكونوا يزورون
الكعبة إلا مرة في السنة في أشهر الحج ، ويجعلون تلك السفرة للحج والعمرة ، فكره أن يبقى البيت مهجورا عامة السنة ، وأحب أن يعتمر في سائر شهور السنة ليبقى البيت معمورا مزورا كل وقت بعمرة ينشأ لها سفر مفرد ، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل ، حيث اعتمر قبل الحجة ثلاث عمر مفردات .
وعلم أن أتم الحج والعمرة أن ينشأ لهما سفر من الوطن كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم ير لتحصيل هذا الفضل والكمال لرغبته طريقا إلا أن ينهاهم عن الاعتمار مع الحج ، وإن كان جائزا ، فقد ينهى السلطان بعض رعيته عن أشياء من المباحات ، والمستحبات لتحصيل ما هو أفضل منها من غير أن يصير الحلال حراما .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=17408يوسف بن ماهك : " إنما نهى
عمر - رضي الله عنه - عن متعة الحج من أجل أهل البلد ؛ ليكون موسمين في عام ، فيصيب
أهل مكة من منفعتهما " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير : " إنما كره
عمر العمرة في أشهر الحج ؛ إرادة ألا يعطل البيت في غير أشهر الحج " . رواهما
سعيد .
[ ص: 529 ] وأيضا : فخاف إذا تمتعوا بالعمرة إلى الحج أن يبقوا حلالا حتى يقفوا
بعرفة محلين ، ثم يرجعوا محرمين ، كما بين ذلك في حديث
أبي موسى وغيره حيث قال : " كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك - يعني أراك
عرفة - ثم يروحون في الحج تقطر رءوسهم " .
ونحن نذهب إلى ذلك ؛ فإن الرجل إذا أنشأ للعمرة سفرا من مصره كان أفضل من عمرة التمتع .
[ ص: 530 ] فعن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، أن
عمر قال : " افصلوا بين حجكم وعمرتكم ؛ فإنه أتم لحج أحدكم أن يعتمر في غير أشهر الحج ، وأتم لعمرته " رواه
مالك .
وروى
عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
سالم قال : " سئل
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن متعة الحج فأمر بها ، فقيل له : إنك تخالف أباك ، فقال : إن أبي لم يقل الذي تقولون : إنما قال : أفردوا العمرة من الحج . أي أن العمرة لا تتم في شهور الحج إلا بهدي ، وأراد أن يزار البيت في غير شهور الحج ، فجعلتموها أنتم حراما ، وعاقبتم الناس عليها ، وقد أحلها الله عز وجل ، وعمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا أكثروا عليه قال : أوكتاب الله أحق أن تتبعوا أم عمر ؟! " .
وعن
أبي يعفور قال : " كنت عند
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، فجاءه رجل فسأله عن
[ ص: 531 ] العمرة في أشهر الحج ، فقال : " هي في غير أشهر الحج أحب إلي " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين قال : " ما أحد من أهل العلم يشك أن
عمرة في غير أشهر الحج أفضل من عمرة في أشهر الحج " .
وأما الخلاف فيمن أراد أن يجمع بينهما في سفرة واحدة ، إما لعجزه عن سفرة أخرى ؛ أو لأنه مشغول عن سفرة أخرى بما هو أهم من الحج من جهاد ونحوه ، أو لأنه لا يمكنه قصد
مكة إلا في أيام الموسم لعدم القوافل ، أو خوف الطريق ، ونحو ذلك : فإن اعتماره قبل الحج أفضل من أن يعتمر من
التنعيم في بقية ذي الحجة ؛ لأن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم فعلوا كذلك ، ولم يعتمر أحد منهم بعد الحجة في تلك السفرة إلا
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة خاصة ، ولم يقم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمسلمين بعد ليلة الحصبة ولا يوما واحدا ، بل قضى حجه ورجع قافلا إلى
المدينة ، وكذلك
عمر كان . . . وكانوا ينهون عن العمرة بعد الحج في ذلك العام كما ينهون عنها قبله .
[ ص: 532 ] قال
أبو بشر : " حججت أنا وصاحب لي ، فلما كان ليلة الصدر ، قال صاحبي : إني لا أقدر على هذا المكان كلما أردت ، أفأعتمر ؟ فلم أدر ما أقول له ، فانطلقنا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=17193نافع بن جبير بن مطعم ، فسألناه ، فكأنه هابنا ، ثم إنه اطمأن بعد فقال : أما أمراؤكما فينهون عن ذلك ، وأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد أعمر
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رحمها الله - ليلة الصدر من
التنعيم ، ثم أمره أن يخرج من الحرم من سنن وجهه الذي بدأ منه ، ثم يحرم " .
ومن فعل ذلك فعله رخصة بعد أن يستفتي ، مع علمهم أنهم لو اعتمروا قبل الحج كان أفضل . عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015211والله ما أعمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها - في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك ، فإن هذا الحي من قريش ومن دان دينهم كانوا يقولون : إذا عفا الوبر ، وبرأ الدبر ، ودخل صفر ، فقد حلت العمرة لمن اعتمر ، فكانوا يحرمون العمرة حتى ينسلخ ذو الحجة والمحرم " . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود .
عن
صدقة بن يسار قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يقول : " عمرة في العشر الأول أحب إلي من عمرة في العشرين الأواخر ، قال صدقة : فحدثت
نافعا ، فقال : كان عبد الله يقول : لأن أعتمر عمرة يكون علي فيها هدي ، أو صيام أحب إلي من
[ ص: 533 ] أن أعتمر عمرة ليس علي فيها هدي ولا صيام " . رواه
سعيد ، ورواه
مالك عنه ، قال : " والله لأن أعتمر قبل الحج وأهدي أحب إلي من أن أعتمر بعد الحج في ذي الحجة " .
وروى
أبو عبيد ، عن
نافع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : " لأن أعتمر في شوال ، أو في ذي القعدة ، أو في ذي الحجة ، في شهر يجب علي فيه الهدي [ أحب إلي من أن أعتمر في شهر لا يجب علي فيه الهدي ] " .
على أن هذا الرأي الذي قد رآه
عمر وعثمان ومن بعدهما قد خالفهم فيه خلق كثير من الصحابة وأنكروا عليهم ؛ مثل
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ،
وعمران بن حصين ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد بن أبي وقاص ،
nindex.php?page=showalam&ids=110وأبي موسى الأشعري ،
nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب .
فأما أن يكونوا خافوا من النهي ؛ أن يعتقد الناس ذلك مكروها ، فخالفوهم في ذلك ، أو رأوا أن ترك الناس آخذين برخصة الله أفضل وأولى .
وقد تقدم بعض ما روي في ذلك عن
علي وسعد وعمران nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس .
[ ص: 534 ] وعن
الحسن أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : " أراد أن ينهى عن المتعة ، فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب : ليس ذلك لك قد تمتعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم ينهنا عن ذلك ، قال : فأضرب
عمر عن ذلك " .
وعن
عمرو قال : " سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وأنا قائم على رأسه ، وسألوه عن المتعة متعة الحج ، فقيل له : إن
معاوية ينهى عنها ، فقال : انظروا في كتاب الله ، فإن وجدتموها فيه فقد كذب على الله وعلى رسوله ، وإن لم تجدوها فقد صدق " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير قال : " سمعت
ابن الزبير يعرض
nindex.php?page=showalam&ids=11بابن عباس فقال : " إن هاهنا قوما أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم ، يفتون في المتعة أنه لا بأس بها ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أما لي فليسأل أمه ، فسألها ، فقالت : صدق
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قد كان ذلك ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لو شئت أن أسمي ناسا من
قريش ولدوا منها لفعلت " رواهن
سعيد .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015212تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير : نهى أبو بكر ، وعمر عن المتعة ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أراهم سيهلكون ، أقول : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقولون : نهى أبو بكر وعمر " . رواه
أبو حفص .