( فصل )
وأما النباتات التي لها رائحة طيبة ولا يتطيب بها فقسمها أصحابنا قسمين ؛ أحدهما : ما يقصد طعمه دون ريحه بحيث يزرعه الناس لغير الريح ، كالفواكه التي لها رائحة طيبة مثل الأترج ، والتفاح ، والسفرجل ، والخوخ ، والبطيخ ونحو ذلك فهذا لا بأس بشمه ولا فدية فيه . وفيه نظر : فإن كلاهما مقصود .
وكذلك ما نبت بنفسه مما له رائحة طيبة وهي أنبتة البرية مثل الشيح
[ ص: 91 ] والقيصوم والإذخر والعبوثران ونحو ذلك ، فهذا لا بأس بشمه فيما ذكره أصحابنا .
والثاني : ما يستنبت لذلك وهو الريحان : ففيه عن
أحمد روايتان : -
إحداهما : أنه لا بأس به ؛ قال - في رواية
جعفر بن محمد - : المحرم يشم الريحان ليس هو من الطيب ، ورخص فيه ، وكذلك نقل
ابن منصور عنه في المحرم يشم الريحان وينظر في المرآة . وهذا اختيار القاضي وأصحابه .
قال
ابن أبي موسى : وله أن يأكل الأترج والتفاح والموز والبطيخ وما في معنى ذلك ، ولم يتعرض لشمه ، قال : ولا بأس بنبات الأرض مما لا يتخذ طيبا .
والثانية : المنع منه قال - في رواية
أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=13665والأثرم - : لا يشم المحرم
[ ص: 92 ] الريحان ، كرهه
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ليس هو من آلة المحرم . وعلى هذه الرواية هو حرام فيه الفدية عند كثير من أصحابنا .
قال
ابن أبي موسى : لا يشم الريحان في إحدى الروايتين ؛ لأنه من الطيب وإن فعل افتدى .
قال القاضي : ويحتمل أن يكون المذهب رواية واحدة لا كفارة عليه ، ويكون قوله : ليس من آلة المحرم على طريق الكراهة ، وقد نص
أحمد على أنه مكروه في رواية
حرب قال : قلت
لأحمد : فالمحرم يشم الريحان ؟ قال : يتوقاه أحب إلي ، قلت : فالطيب ؟ قال : أما الطيب فلا يقربه ، والريحان ليس مثل الطيب ، قلت : فيشرب دواء ؟ قال : لا بأس إذا لم يكن فيه طيب .
وذلك لأنه ذو رائحة طيبة يتخذ لها فحرم شمه كالمسك وغيره ، بل أولى لأن المسك ونحوه يتطيب به بجعله في البدن والثوب ، وأما هذا : فإنما منفعته شمه مع انفصاله إذ لا يعلق بالبدن والثوب ، وفيه من الاستمتاع والترفه ما قد يزيد على شم الزعفران والورس . ولأن الورس والزعفران من جملة النباتات وإن تطيب بها ، وقد جعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - طيبا ، فألحقت سائر النباتات به .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، عن
جابر : "أنه سئل :
أيشم المحرم الريحان والدهن والطيب ؟ فقال : لا " وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم عن
عمر : أنه كان يكره شم الريحان للمحرم .
[ ص: 93 ] ووجه الأول : أنه لا يتطيب به فعلا ، فلم يكره شمه كالفاكهة والنبات البري ، وذلك لأنه لو كان نفس اشتمام الريح مكروها لم يفرق بين ما ينبته الله ، أو ينبته الآدميون ، ولا بين ما يقصد به الريح والطعم ، أو يقصد به الريح فقط . فعلى هذا لا فرق بين ما يتخذ منه الطيب كالورد والبنفسج والنيلوفر والياسمين والخيري وهو المنثور ، وما لا يتخذ منه الطيب كالريحان الفارسي وهو الأخضر والنمام والبرم والنرجس والمرزنجوس . هذه طريقة
ابن حامد والقاضي في خلافه وأصحابه مثل
الشريف وأبي الخطاب وابن عقيل وغيرهم ؛ لعموم كلام
أحمد .
وقال القاضي - في المجرد - وغيره : ما يتخذه منه مما يستنبت للطيب
[ ص: 94 ] كالورد والبنفسج والياسمين - فإنه يتخذ منه الزئبق والخيري وهو المنثور والنيلوفر - : فهو طيب كالورس والزعفران والكافور والعنبر ، فإنه يقال هو ثمر شجري ، فإذا شم الورد أو دهنه أو ما خالطه وكان ظاهرا فيه : ففيه الفدية .
وأما ما يستنبت للطيب ولا يتخذ منه الطيب كالريحان الفارسي والنرجس والمرزنجوس : ففيه الروايتان المتقدم ذكرهما ؛ وذلك لأنه إذا اتخذ منه الطيب : فهو ذو رائحة طيبة يتطيب : فيكون طيبا كغيره ؛ لأن كونه نباتا لا يخرجه عن أن يكون طيبا بدليل الورس والزعفران .
ومن قال بالطريقة الأولى قال : هذا لا يتطيب بنفسه ، وإنما يتطيب بما يؤخذ منه بخلاف الزعفران ونحوه . ولا يلزم من كون فرعه طيبا أن يكون هو طيبا .