( فصل )
فأما
الثياب المصبوغة بغير طيب ؛ فلا يكره منها في الإحرام إلا ما يكره في الحل ، لكن
المستحب في الإحرام لبس البياض ، قال - في رواية
حنبل - : لا بأس أن يلبس المحرم الثوب المصبوغ ما لم يمسه ورس ولا زعفران ؛ وإن كان غير ذلك فلا بأس ولا بأس أن تلبس المحرمة الحلي والمعصفر . وقال في رواية
الفضل بن زياد لا بأس أن تلبس المرأة الحلي والمعصفر من الثياب ، ولا تلبس ما مسه ورس ولا زعفران .
وقال - في رواية
صالح - : وتلبس المرأة المعصفر ، ولا تلبس ما فيه الورس
[ ص: 95 ] والزعفران . وقال
حرب : قلت
لأحمد : المحرم يلبس الثوب المصبوغ ؟ قال : إذا كان شهرة فلا يعجبني .
وقد أطلق كثير من أصحابنا : أن للمحرم أن يلبس المعصفر يريدون به المرأة كما ذكره
أحمد خصوه بالذكر لأجل الخلاف ، ليبنوا أن الإحرام لا يمنع منه ، وقيده آخرون بالمرأة على المنصوص ، وهو أجود عبارة .
قال
ابن أبي موسى :
وللمرأة أن تلبس الحلي والمعصفر والمخيط من الثياب ولا تلبس القفازين ، ولا ثوبا مسه ورس ولا زعفران ولا طيب .
فأما الرجل : فإنه يكره له المعصفر في الإحرام والإحلال كما نص عليه
أحمد في غير موضع ، وقد تقدم هذا .
وقد زعم بعض أصحابنا : أنه لا يكره للرجال ولا للنساء وحمل حديث
علي على الخصوص به ، وهذا هو الذي ذكره القاضي في خلافه في هذا الموضع وطائفة معه ، وهو خلاف المنصوص ، وخلاف ما ذكره في غير هذا الموضع . وهو غلط على المذهب ؛ وذلك لأن في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه سمع النبي
[ ص: 96 ] - صلى الله عليه وسلم - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015394ينهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب ، ولتلبس بعد ذلك ما شاءت من ألوان الثياب من معصفر ، أو خز أو حلي ، أو سراويل أو قميص أو خف " رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود ، وتكلم على هذه الزيادة .
فإن كانت مرفوعة : فقد ثبتت بها الحجة ، وإن كانت موقوفة على
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : فقد فهم من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - إباحة ما سوى المورس والمزعفر ؛ وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عما يلبس المحرم من الثياب ، فذكر الأصناف الخمسة ، وذكر من المصبوغ ما مسه ورس أو زعفران : حصر المحرم ، لأن المباح لا ينحصر ، فعلم أن ما سوى ذلك مباح .
وعن
كثير بن جهمان قال : "كان على
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ثوبان مصبوغان ، فقال له رجل : يا
أبا عبد الرحمن تنهى الناس عن الثياب المصبغة وتلبسها ؟ قال : ويحك إنما هو بمدر " رواه
سعيد .
وروى
أحمد في مسائل
حنبل بإسناد صحيح عن
عائشة بنت سعد قالت : "كن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يحرمن في المعصفرات " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد : "أنه رأى
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة تلبس الثياب المعصفرة وهي
[ ص: 97 ] محرمة " رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث عن
يحيى بن سعيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء قال " رأيت على
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - أم المؤمنين - درعا موردا وهي محرمة " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم قال : " كانت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة تلبس المعصفر وهي محرمة " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16512عبدة بن أبي لبابة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أنها سئلت : " ما تلبس المحرمة ؟ فقالت : من خزها وقزها وحريرها وعصفرها " رواهن
سعيد .
وعن
عروة " أن
nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء ابنة أبي بكر كانت تلبس الثياب المصبغة المشبعات بالعصفر ليس فيها زعفران وهي محرمة " .
وعن
نافع قال : " كن نساء
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وبناته يلبسن الحلي والمعصفرات وهن محرمات لا ينكر ذلك
عبد الله " رواه
أبو بكر .
[ ص: 98 ] ولأن المعصفر ليس بطيب ; لأنه إنما يقصد به لونه لا ريحه ; لأن رائحته غير مستلذة ; ولأنه ليس طيبا إذا انفرد ، فلا يكون طيبا إذا صبغ به ، وعكسه الزعفران والورس .
ولأنه صبغ من الأصباغ لا يقصد ريحه فلم يكره كالحلي وغيره من الأصباغ .
وقد احتج من لم يكرهه للرجال : ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي قال : " أحرم
عقيل بن أبي طالب في موردين ، فقال له
عمر : خالفت الناس ، فقال
علي لعمر : دعنا منك فإنه ليس لأحد أن يعلمنا بالسنة ، فقال له
عمر : صدقت " .
وعن
أبي جعفر محمد بن علي قال : " أبصر
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب على
عبد الله بن جعفر ثوبين مضرجين يعني موردين وهو محرم فقال : ما هذا ؟ فقال
[ ص: 99 ] علي : ما أخال أحدا يعلمنا بالسنة " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة " أن
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان - رضي الله عنه - خرج حاجا ومعه
علي ، وجاء
محمد بن جعفر وقد كان دخل بأهله في تلك الليلة فلحقهم بليل ، فجاء وعليه معصفرة ، فلما رآه
عثمان انتهره وأقف به ، وقال : أما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المعصفر ؟ فقال له
علي : إنه لم ينهه ولا إياك إنما نهاني " ....
النجاد .
وعن
أبي الزبير قال : " كنت مع
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر فأتاه رجل عليه ثوبان معصفران ، وهو محرم فقال : في هذين علي بأس ؟ قال : فيهما طيب ؟ قال : لا ، قال : لا بأس " .
وعن
أبي الزبير عن
جابر قال : " إذا لم يكن في الثوب المعصفر طيب فلا
[ ص: 100 ] بأس به للمحرم أن يلبسه " رواهما
النجاد .
وهذا يحمل على غير المشبع بحيث يكون رقيق الحمرة ، فإن المكروه منه المشبع ، وإلا فقد تقدمت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نهي الرجال عن المعصفر وهي تقضي على كل أحد .
فإن قيل : فقد روى
أسلم أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رأى على
nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة بن عبيد الله ثوبا مصبوغا وهو محرم ، فقال
عمر : ما هذا الثوب المصبوغ يا
طلحة ؟ قال
طلحة : يا أمير المؤمنين ، إنما هو مدر ، فقال
عمر - رضي الله عنه - : إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس ولو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب لقال : إن
nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام ، فلا تلبسوا أيها الرهط شيئا من الثياب المصبغة " رواه
مالك وغيره ، وفي رواية
لسعيد : إنه أبصر على
طلحة ثوبين مصبوغين بمشق وهو محرم ، وفي رواية
للنجاد " إنكم أئمة ينظر إليكم فعليكم بهذا البياض ، ويراكم الرجل فيقول رأيت على
[ ص: 101 ] رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ثوبين مصبوغين " فقد حمله بعض أصحابنا على أنه خاف اقتداء الجاهل به في لبس المصبوغات مطلقا من غير فرق بين المطيب وغيره فعلى هذا يكره .
وقد أطلق
أحمد لبس المصبوغ في رواية ، وكرهه في رواية إذا كان شهرة ، وهذا يحتمل أن يشتهر فيقتدي به الجاهل أو تمتد إليه الأبصار خصوصا في الإحرام ؛ فإن عامة الناس عليهم البياض ، فعلى هذا يكره ما كان زينة إذا ظهر .
وعلى ذلك يحمل ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=13705الأسود عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت : " تلبس المحرمة ما شاءت إلا البرقع والمتورد بالعصفر " رواه
سعيد بإسناد صحيح .
وعن
إبراهيم عنها أنها قالت : " يكره الثوب المصبوغ بالزعفران ، والمشبعة بالعصفر للرجال والنساء إلا أن يكون ثوبا غسيلا " رواه
النجاد .
فهذا محمول على ما إذا ظهرت ..
فأما الحلي والحرير ونحو ذلك : فلا بأس به للمحرمة نص عليه كما تقدم . وعنه ما يدل على الكراهة ، قال - في رواية
محمد بن حرب الجرجرائي -
[ ص: 102 ] وقد سئل عن
الخضاب للمحرم ، قال : ليس بمنزلة طيب ، ولكنه زينة وقد كره الزينة عطاء للمحرم .
فقد أخذ بقول
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ، والمنقول عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء : " أنه كان يكره للمحرمة الزينة كلها الحلي وغيره " . رواه
سعيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عنه وروى عنه أيضا - : أنه كان يكره للمحرمة الثوب المصبوغ بالمعصفر ، أو بثوب مسه زعفران أو شيء من الطيب ، رواه
سعيد أيضا .