( فصل )
وأما
تزويجه للحلال من رجل أو امرأة بطريق الولاية أو الوكالة أو بطريق الفضول ، وقلنا : ينعقد تصرف الفضولي ، فلا يصح في أشهر الروايتين ،
[ ص: 211 ] وفي الأخرى يصح ; لأن الزوجين لا مانع فيهما ، والمنع القائم بالوكيل أو الولي لا يتعدى إليهما .
فعلى هذه الرواية يحمل النهي على الكراهة ، والأول أصح ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم
نهى المحرم أن ينكح أو ينكح نهيا واحدا ، فالتفريق بينهما لا يجوز ، ولأن أصل النهي التحريم ،
وكل من لا يصح منه العقد لنفسه بحال لا يصح لغيره ، كالسفيه والمجنون والمرتد .
ولأن المحرم ممنوع أن يتكلم بالنكاح وذلك منه رفثا ، وعقده له تكلم به ، ولأن تزويجه لغيره يفضي إلى تذكره واشتهائه ، والمحرم ممنوع من جميع مقدماته ; ولأنه إعانة على استحلال ما هو محرم عليه ، فلم يجز كإعانة الحلال على الوطء أو اللباس أو التطيب فإنه إعانة على الاستمتاع بما هو مباح له ، لا على استحلال ما هو محرم عليه ، وهذا لأن فرج الزوجة لا يباح إلا بالعقد ، كما أن الصيد المباح لا يباح إلا بتملك ، ولحمه لا يباح إلا بالتذكية ، بخلاف اللباس والطيب والوطء للحلال ؛ فإنه حلال في نفسه ، وهذا شبه وتمثيل حسن ، وهذا في التزويج بالولاية الخاصة وهي السبب ، فأما الولاية العامة وهي ولاية السلطان من الإمام والحاكم ، ففيه وجهان :
أحدهما : ليس له أن يزوج بذلك أيضا لعموم الحديث والقياس ، وهذا ظاهر كلام
أحمد ، فإنه منع المحرم أن يزوج مطلقا ولم يفرق ، فعلى هذا
[ ص: 212 ] يجوز خلفاء السلطان المحلون .
والثاني : يجوز ذلك ; لأن الحاجة العامة تدعو إلى ذلك ، وقد يستباح بالولاية العامة ما لا يستباح بالخاصة كتزويج الكافرة .
وهذا ضعيف فإن الأدلة الشرعية قد عمت ، والفرق بينه وبين غيره إنما هو في أصل ثبوت الولاية ، ولا ريب أن ولايته لا تزول بالإحرام ، كما لا تزول ولاية غيره من الأولياء ، أما نفس العقد بالولاية فلا فرق بينه وبين غيره ، ولأن المانع هو شيء قائم به يقدح في إحرامه ، ولا فرق بينه وبين غيره في ذلك ، ولا حاجة إلى مباشرة لوجود خلفائه ، هذه طريقة القاضي وغيره من أصحابنا .
وقال
ابن عقيل : ليس له أن يباشر العقد ، لكن هل يصح أن يباشر خلفاؤه وهو محرم ؟ على وجهين ، وهذا بعيد جدا .
فأما التزويج بملك اليمين ... .
وأما غيره من الأولياء إذا أحرم واحتاجت المرأة إلى من يزوجها ، فقيل : قياس المذهب أن الولاية تنتقل إلى من هو أبعد منه من العصبة كما لو غاب ، ويتوجه أن لا تتزوج حتى يحل .
ومن
وكل في النكاح وهو محرم وزوج بعد تحليله جاز على مقتضى ما ذكره القاضي
وابن عقيل سواء قبل الوكالة وهو محرم أو بعد الإحرام ، ولو كان التوكيل قبل الإحرام لم يبطل بالإحرام بطريق الأولى .