مسألة : ( والسعي ) .
يعني به بين
الصفا والمروة .
وقد اختلفت الرواية عن
أحمد فيه ; فروي عنه : أنه ركن لا يتم الحج والعمرة إلا به ; قال - في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم - فيمن انصرف ، ولم يسع : يرجع فيسعى وإلا فلا حج له .
وقال - في رواية
ابن منصور - إذا بدأ
بالصفا والمروة [ ص: 624 ] يرجع قبل البيت لا يجزئه .
وقال - في رواية
أبي طالب - في
معتمر طاف فواقع أهله قبل أن يسعى : فسدت عمرته وعليه مكانها ، ولو
طاف وسعى ثم وطئ قبل أن يحلق أو يقصر فعليه دم ، إنما العمرة الطواف والسعي ، والحلاق .
وروي عنه : أنه سنة ، قال - في رواية
أبي طالب - : فيمن
نسي السعي بين الصفا والمروة ، أو تركه عامدا ، فلا ينبغي له أن يتركه ، وأرجو أن لا يكون عليه شيء .
وقال - في رواية
الميموني - : السعي بين
الصفا والمروة تطوع ، والحاج والقارن والمتمتع عند
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء واحد إذا طافوا ولم يسعوا .
وقال - في رواية
حرب - فيمن نسي السعي بين
الصفا والمروة حتى أتى منزله لا شيء عليه .
وقال القاضي في المجرد ... وغيره ، هذا واجب يجبره دم ، هذا هو الذي ذكره الشيخ في كتابه .
فمن قال : إنه تطوع احتج بقوله تعالى : (
إن الصفا والمروة من شعائر الله )
[ ص: 625 ] (
فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ) فأخبر أنهما من شعائر الله ، وهذا يقتضي أن الطواف بهما مشروع مسنون ، دون زيادة على ذلك ، إذ لو أراد زيادة لأمر بالطواف بهما كما قال : (
فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) ثم قال : (
فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) ، ورفع الجناح وإن كان لإزالة الشبهة التي عرضت لهم في الطواف بهما - كما سيأتي إن شاء الله - : فإن هذه الصيغة تقتضي إباحة الطواف بهما . وكونهما من شعائر الله يقتضي استحباب ذلك . فعلم أن الكلام خرج مخرج الندب إلى الطواف بهما ، وإماطة الشبهة العارضة . فأما زيادة على ذلك : فلا . ثم قال تعالى : (
ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ) وإذا ندب الله إلى أمر وحسنه ، ثم ختم ذلك بالترغيب في التطوع ، كان دليلا على أنه تطوع ، وإلا لم يكن بين فاتحة الآية وخاتمتها نسبة .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أنه كان يقرأ : ( أن لا يطوف بهما ) .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء في قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، أو في مصحف
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، ( أن لا يطوف بهما ) رواهما
أحمد في الناسخ والمنسوخ .
[ ص: 626 ] وعن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015846كانت الأنصار يكرهون أن يطوفوا بين الصفا والمروة ، حتى نزلت : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) متفق عليه ، لفظ
مسلم ، ولفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : عن
nindex.php?page=showalam&ids=16274عاصم بن سليمان قال : " سألت
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك عن
الصفا والمروة ؟ قال : كنا نرى من أمر الجاهلية ، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله : (
إن الصفا والمروة من شعائر الله ) ، فذكر إلى " بهما " .
فهذا
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك : قد علم سبب نزول الآية ، وقد كان يقول : " إنه تطوع " فعلم أنه فهم من الآية أنها خرجت مخرج الندب والترغيب في التطوع .
وأما من قال : إنها واجبة - في الجملة - وهو الذي عليه جمهور
[ ص: 627 ] أصحابنا ، فإن الله قال : هما (
من شعائر الله ) وكل ما كان من شعائر الله فلا بد من نسك واجب بهما كسائر الشعائر من
عرفة ومزدلفة ومنى والبيت ، فإن هذه الأمكنة جعلها الله يذكر فيها اسمه ، ويتعبد فيها له ، وينسك حتى صارت أعلاما ، وفرض على الخلق قصدها ، وإتيانها . فلا يجوز أن يجعل المكان شعيرة لله وعلما له ، ويكون الخلق مخيرين بين قصده ، والإعراض عنه ; لأن الإعراض عنه مخالف لتعظيمه ،
وتعظيم الشعائر واجب لقول الله تعالى : (
ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) والتقوى واجبة على الخلق ، وقد أمر الله بها ، ووصى بها في غير موضع ، وذم من لا يتقي الله ، ومن استغنى عن تقواه توعده ، وإذا كان الطواف بهما تعظيما لهما ، وتعظيمهما من تقوى القلوب ، والتقوى واجبة ، كان الطواف بهما واجبا ، وفي ترك الوقوف بهما ترك لتعظيمهما ، كان ترك الحج بالكلية ترك لتعظيم الأماكن التي شرفها الله ، وترك تعظيمها من فجور القلوب بمفهوم الآية .
وأما قوله : (
فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) فنفس تدل على أنه لم يقصد بذلك مجرد إباحة الوقوف ، بحيث يستوي وجوده وعدمه ، لأنهما
[ ص: 628 ] جعلهما من شعائر الله ، ثم قال : (
فلا جناح عليه ) والحكم إذا تعقب الوصف بحرف الفاء ، علم أنه علة ، فيكون كونهما من شعائر الله موجبا لرفع الحرج ، ثم أتبع ذلك بما يدل على الترغيب ، وهو قوله : (
ومن تطوع خيرا ) الآية . نعم هذه الصفة لا تستعمل إلا فيما يتوهم حظره كقوله : (
فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) وقوله : (
فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ) وقوله : (
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح ) الآية ، فإن المحرم للميتة موجود حال الاضطرار ، والموجب للصلاة موجود حال السفر ، كذلك هنا كانت هاتان الشعيرتان ، قد انعقد لهما سبب من أمور الجاهلية ، خيف أن يحرم التطوف بهما لذلك ، وقد تقدم عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس أنهم كانوا يكرهون الطواف بهما حتى أنزل الله هذه الآية .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري nindex.php?page=hadith&LINKID=16015847عن عروة ، قال : سألت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، فقلت : " أرأيت قول الله عز وجل : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) ، فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة ؟ قالت : بئس ما قلت يا ابن أخي ، إن هذه لو كانت كما أولتها عليه كانت : لا جناح أن لا يطوف بهما ، ولكنها أنزلت في الأنصار ، كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل ، فكان من [ ص: 629 ] أهل يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة ، فلما سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فقالوا : يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة ، فأنزل الله : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) الآية ، قالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها - : وقد سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما ، ثم أخبرت nindex.php?page=showalam&ids=11947أبا بكر بن عبد الرحمن ، فقال : إن هذا لعلم ما كنت سمعته ، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أن الناس - إلا من ذكرت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ممن كان يهل لمناة - كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة ، فلما ذكر طواف بالبيت ، ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن قالوا : يا رسول الله كنا نطوف بالصفا ، وإن الله أنزل الطواف بالبيت ، فلم يذكر الصفا ، فهل علينا من حرج أن نطوف بالصفا والمروة ، فأنزل الله عز وجل : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) الآية .
قال أبو بكر : فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كلاهما ; في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا في الجاهلية بالصفا والمروة ، والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت ، ولم يذكر [ ص: 630 ] الصفا ، حتى ذكر ذلك بعدما ذكر الطواف بالبيت " متفق عليه .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015848 " قلت nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة - وأنا حديث السن - أرأيت قول الله : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) فما أرى على أحد شيئا أن لا يطوف بهما ، فقالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : كلا لو كانت كما تقول : كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ، إنما نزلت هذه الآية في الأنصار ، كانوا يهلون لمناة ، وكانت مناة حذو قديد ، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة ، فلما جاء الإسلام ، سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) متفق عليه ، وفي لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015849 " إنما أنزل هذا في أناس من الأنصار كانوا إذا أهلوا ، أهلوا لمناة في الجاهلية ، فلا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة ". [ ص: 631 ] وفي لفظ له :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015850 " إن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا هم وغسان يهلون لمناة فتحرجوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة ، وكان ذلك سنة في آبائهم : من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة " .
وقد روى
الأزرقي عن
ابن إسحاق أن
عمرو بن لحي ، نصب بين
الصفا صنما يقال له : نهيك مجاود الريح ، ونصب على
المروة صنما يقال له : مطعم الطير ، ونصب مناة على ساحل البحر مما يلي قديدا ، وهي التي كانت الأزد وغسان يحجونهما ، ويعظمونهما فإذا طافوا بالبيت وأفاضوا من
عرفات ، وفرغوا من
منى لم يحلقوا إلا عند مناة ، وكانوا يهلون لها ، ومن أهل لها لم يطف بين
الصفا والمروة ، لمكان الصنمين الذين عليهما : نهيك مجاود الريح ، ومطعم الطير ، فكان هذا الحي من الأنصار يهلون لمناة ، قال : وكانت مناة للأوس والخزرج ،
وغسان من
الأزد ومن كان بدينها من
أهل يثرب ،
وأهل الشام ، وكانت على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد ، وذكره بإسناده عن
ابن [ ص: 632 ] السائب ، قال : كانت صخرة
لهذيل ، وكانت
بقديد .
فقد تبين : أن الآية قصد بها رفع ما توهم الناس أن
الصفا والمروة من جملة الأحجار التي كان أهل الجاهلية يعظمونها .
أما
الأنصار في الجاهلية : فكانوا يتركون الطواف بهما لأجل الصنم الذي كانوا يهلون له ، ويحلون عنده مضاهاة بالصنمين الذين كانا على
الصفا والمروة .
وأما غيرهم فلكون أهل الجاهلية - غير
الأنصار - كانوا يعظمونهما ، ولم يجر لهما ذكر في القرآن . وهذا السبب يقتضي تعظيمهما وتشريفهما مخالفة للمشركين ، وتعظيما لشعائر الله . فإن
اليهود والنصارى لما أعرضوا عن تعظيم
الكعبة قال الله : (
ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) ، وأوجب حجها على البيت ، فإذا كانت
الصفا والمروة مما أعرض عنه بعض المشركين وهو من شعائر الله ، كان الأظهر إيجاب العبادة عنده كما وجبت العبادة عند البيت ، ولذلك
سن النبي - صلى الله عليه وسلم - مخالفة المشركين حيث كانوا يفيضون من المزدلفة ، فأفاض من عرفات ، وصارت الإفاضة من عرفات واجبة ، ووقف إلى غروب الشمس فصار الوقوف بها واجبا . فقد رأينا كل مكان من الشعائر أعرض المشركون عن النسك فيه ، أوجب الله النسك فيه .
وأما قوله : (
ومن تطوع خيرا ) فإن التطوع في الأصل مأخوذ من الطاعة وهو الاستجابة والانقياد ، يقال : طوعت الشيء فتطوع أي سهلته
[ ص: 633 ] فتسهل كما قال : (
فطوعت له نفسه قتل أخيه ) ، وتطوعت الخير إذا فعلته بغير تكلف وكراهية .
ولما كانت مناسك الحج عبادة محضة ، وانقيادا صرفا ، وذلا للنفوس ، وخروجا عن العز ، والأمور المعتادة ، وليس فيها حظ للنفوس ، فربما قبحها الشيطان في عين الإنسان ، ونهاه عنها ، ولهذا قال : (
لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) قال رجل من أهل العلم : هو طريق الحج ، وقال بعد أن فرض : (
ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) لعلمه أن من الناس من قد يكفر بهذه العبادة وإن لم يكفر بالصلاة والزكاة والصيام ، فلا يرى حجه برا ، ولا تركه إثما ثم الطواف
بالصفا والمروة خصوصا فإنه مطاف بعيد وفيه عدو شديد وهو غير مألوف في غير الحج والعمرة ، فربما كان الشيطان أشد تنفيرا عنهما ، فقال سبحانه : (
ومن تطوع خيرا ) فاستجاب لله وانقاد له ، وفعل هذه العبادة طوعا ، لا كرها ، عبادة لله ، وطاعة له ولرسوله . وهذا مبالغة في الترغيب فيهما ألا ترى أن الطاعة موافقة الأمر ، وتطوع الخير خلاف تكرهه . فكل فاعل خير طاعة لله طوعا لا كرها ، فهو متطوع خيرا ، سواء كان واجبا ، أو مستحبا ، نعم ميز الواجب بأخص اسميه ، فقيل : فرض ، أو واجب وبقي الاسم العام في العرف غالبا على أدنى القسمين ، كلغة الدابة والحيوان وغيرهما .
وأيضا : فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - : طاف في عمرته ، وفي حجته ، والمسلمون معه بين
الصفا والمروة ، وقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015198لتأخذوا عني مناسككم " ، والطواف بينهما من
[ ص: 634 ] أكبر المناسك ، وأكثرها عملا ، وخرج ذلك منه مخرج الامتثال لأمر الله بالحج في قوله : (
ولله على الناس حج البيت ) وفي قوله : (
وأتموا الحج والعمرة ) ، ومخرج التفسير والبيان لمعنى هذا الأمر ، فكان فعله هذا على الوجوب ، ولا يخرج عن ذلك إلا هيئات في المناسك وتتمات ، وأما جنس تام من المناسك ، ومشعر من المشاعر يقتطع عن هذه القاعدة ، فلا يجوز أصلا ، وبهذا احتج أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015851سألنا nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن رجل قدم بعمرة ، فطاف بالبيت ولم يطف بين الصفا والمروة أيأتي امرأته ؟ فقال : قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطاف بالبيت سبعا ، وصلى خلف المقام ركعتين ، وبين الصفا والمروة سبعا ، وقد كان لكم في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة " متفق عليه ، وزاد
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015852وسألنا nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله ، فقال : لا يقربنها حتى يطوف بالصفا والمروة " .
وأيضا : فما روى
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015853من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ، ثم ليهل بالحج وليهد ، وذكر الحديث " متفق عليه . وهذا أمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو للإيجاب لا سيما في العبادات المحضة ، وفي ضمنه أشياء كلها واجب .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015854أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لم يكن معه هدي إذا [ ص: 635 ] طاف بالبيت وبين الصفا والمروة أن يحل " متفق عليه ، فأمره بالحل بعد الطوافين ، فعلم أنه لا يجوز التحلل قبل ذلك .
وعن
أبي موسى قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015855أهللت بإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : هل معك من هدي ؟ قلت : لا ، فأمرني فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ، ثم أمرني فأهللت " ، وفي لفظ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015856فطف بالبيت وبالصفا والمروة ، ثم حل " متفق عليه . . .
ثم من قال : هو واجب يجب بتركهما هدي ، قال : قد دلت الأدلة على وجوبهما لكن لا يبلغ مبلغ الركن ، لأن المناسك ; إما وقوف ، أو طواف ، والركن من جنس الوقوف نوع واحد ، فكذلك الركن من جنس الطواف يجب أن يكون طوافا واحدا ; لأن أركان الحج لا يجوز أن تتكرر من جنس واحد كما لا يتكرر وجوبه بالشرع .
ولأن الركن يجوز أن يكون مقصودا بإحرام ، فإنه إذا وقف
بعرفة ، ثم مات فعل عنه سائر الحج ، وتم حجه ، وإذا خرج من
مكة قبل طواف الزيارة رجع إليها محرما للطواف فقط . والسعي لا يقصد بإحرام ، فهو كالوقوف
بمزدلفة ورمي الجمار ، ولأن نسبة الطواف بهما إلى الطواف بالبيت ، كنسبة الوقوف
بمزدلفة إلى وقوف
عرفة ، لأنه وقوف بعد وقوف ، وطواف بعد طواف ، ولأن الثاني لا يصح إلا تبعا للأول ; فإنه لا يجوز الطواف بهما إلا بعد الطواف بالبيت ، ولا يصح الوقوف
بمزدلفة إلا إذا أفاض من
عرفات ، وقد دل على ذلك قوله (
فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) وقوله : (
فإذا أفضتم من عرفات ) الآية ، فإذا كان الوقوف المشروع بعد عرفة ليس بركن ، فالطواف المشروع بعد طواف البيت أولى أن لا يكون ركنا ; لأن الأمر بذلك في القرآن
[ ص: 636 ] أظهر ; وذلك لأن ما لا يفعل إلا تبعا لغيره ، يكون ناقصا عن درجة ذلك المتبوع ، والناقص عن الركن هو الواجب ; ولهذا كل ما يفعل بعد الوقوف بعرفة تبعا له فهو واجب ، وطرد ذلك أركان الصلاة ، فإن بعضها يجوز أن ينفرد عن بعض ; فإن القيام يشرع وحده في صلاة الجنازة ، والركوع ابتداء في صلاة المسبوق ، والسجود عند التلاوة والسهو ، ولو عجز عن بعض أركان الصلاة أتى بما بعده ، فعلم أنه ليس بعضها تبعا لبعض ، وهنا
إذا فاته الوقوف بعرفة لم يجز فعل ما بعده .
ولأنه لو كان ركنا لشرع من جنسه ما ليس بركن كالوقوف من جنسه الوقوف
بمزدلفة .
ولأنه لو كان لتوقت أوله وآخره كالإحرام والطواف والوقوف ، والسعي لا يتوقت .
ومن قال : إنه ركن احتج على ذلك بما روت
nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة أخبرتني
حبيبة بنت أبي تجراة إحدى نساء بني عبد الدار قالت : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015857نظرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسعى بين الصفا والمروة ، فرأيته يسعى وإن ميزره ليدور من شدة السعي ، حتى أقول إني لأرى ركبتيه ، وسمعته يقول : " اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي " ، وفي رواية : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015858رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم ، وهو يسعى حتى أرى ركبته من شدة السعي يدور به إزاره وهو يقول : اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي " رواه
أحمد ،
[ ص: 637 ] ورواه أيضا عن
صفية امرأة أخبرتها
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015859أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الصفا والمروة - يقول : كتب عليكم السعي فاسعوا " .
وأيضا : فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أمر به كما أمر بالطواف بالبيت في قرن واحد ، وأمره على الوجوب كما تقدم ، وما ثبت وجوبه : تعين فعله ، ولم يجز أن يقام غيره مقامه إلا بدليل .
وأيضا : فإنه نسك يختص بمكان ، يفعل في الحج والعمرة ، فكان ركنا كالطواف بالبيت ، وذلك لأن تكرره في النسكين دليل على قوته .
واختصاصه بمكان دليل على وجوب قصد ذلك الموضع ، وقد قيل : نسك يتكرر في النسكين ، فلم ينب عنه الدم كالطواف والإحرام .
وأيضا : فإن الأصل في جميع الأفعال أن يكون ركنا ، لكن ما يفعل بعد الوقوف لم يكن ركنا ; لأنه لو كان ركنا لفات الحج بفواته ، والحاج إذا أدرك
عرفة فقد أدرك الحج ،
والسعي لا يختص بوقت .
وأيضا : فإن أفعال الحج على قسمين ; مؤقت وغير مؤقت ، فالمؤقت إما أن يفوت بفوات وقته ، أو يجبر بدم ، لكون وقته إذا مضى لم يمكن فعله . وأما غير المؤقت : إذا كان واجبا فلا معنى لنيابة الدم عنه ، لأنه يمكن فعله في جميع الأوقات ، والطواف والسعي : ليسا بمؤقتين في الانتهاء فإلحاق أحدهما بالآخر أولى من إلحاقه
بالمزدلفة ورمي الجمار ; لأن ذلك يفوت بخروج وقته ، وبهذا
[ ص: 638 ] يظهر الفرق بينه وبين توابع الوقوف ...