( 1884 ) فصل : وهل يجوز
إخراج أحد النقدين عن الآخر ؟ فيه روايتان . نص عليهما ; إحداهما ، لا يجوز . وهو اختيار
أبي بكر ; لأن أنواع الجنس لا يجوز إخراج أحدهما عن الآخر إذا كان أقل في المقدار ، فمع اختلاف الجنس أولى .
والثانية ، يجوز ، وهو أصح ، إن شاء الله ; لأن المقصود من أحدهما يحصل بإخراج الآخر ، فيجزئ ، كأنواع الجنس ، وذلك لأن المقصود منهما جميعا الثمنية والتوسل بها إلى المقاصد ، وهما يشتركان فيه على السواء ، فأشبه إخراج المكسرة عن الصحاح ، بخلاف سائر الأجناس والأنواع ، مما تجب فيه الزكاة ، فإن لكل جنس مقصودا مختصا به ، لا يحصل من الجنس الآخر ، وكذلك أنواعها ، فلا يحصل بإخراج غير الواجب من الحكمة ما يحصل بإخراج الواجب ، وها هنا المقصود حاصل ، فوجب إجزاؤه ، إذ لا فائدة باختصاص الإجزاء بعين ، مع مساواة غيرها لها في الحكمة
وكون ذلك أرفق بالمعطي والآخذ ، وأنفع لهما ، ويندفع به الضرر عنهما ، فإنه لو تعين إخراج زكاة الدنانير منها ، شق على من يملك أقل من أربعين دينارا إخراج جزء من دينار ، ويحتاج إلى التشقيص ، ومشاركة الفقير له في دينار من ماله ، أو بيع أحدهما نصيبه ، فيستضر المالك والفقير ، وإذا جاز إخراج الدراهم عنها ، دفع إلى الفقير من الدراهم بقدر الواجب ، فيسهل ذلك عليه ، وينتفع الفقير من غير كلفة ولا مضرة .
ولأنه
[ ص: 322 ] إذا دفع إلى الفقير قطعة من الذهب في موضع لا يتعامل بها فيه ، أو قطعة من درهم في مكان لا يتعامل بها فيه ، لم يقدر على قضاء حاجته بها ، وإن أراد بيعها بحسب ما يتعامل بها احتاج إلى كلفة البيع ، وربما لا يقدر عليه ، ولا يفيده شيئا ، وإن أمكن بيعها احتاج إلى كلفة البيع ، والظاهر أنها تنقص عوضها عن قيمتها ، فقد دار بين ضررين ، وفي جواز إخراج أحدهما عن الآخر نفع محض ، ودفع لهذا الضرر ، وتحصيل لحكمة الزكاة على التمام والكمال ، فلا حاجة ولا وجه لمنعه ، وإن توهمت هاهنا منفعة تفوت بذلك ، فهي يسيرة مغمورة ، فيما يحصل من النفع الظاهر ، ويندفع من الضرر والمشقة من الجانبين ، فلا يعتبر .
والله أعلم . وعلى هذا لا يجوز الإبدال في موضع يلحق الفقير ضرر ، مثل أن يدفع إليه ما لا ينفق عوضا عما ينفق ; لأنه إذا لم يجز إخراج أحد النوعين عن الآخر مع الضرر ، فمع غيره أولى . وإن اختار الدفع من الجنس ، واختار الفقير الأخذ من غيره ; لضرر يلحقه في أخذ الجنس ، لم يلزم المالك إجابته ; لأنه إذا أدى ما فرض عليه ، لم يكلف سواه . والله أعلم .