صفحة جزء
( 1932 ) فصل : فأما الأموال الظاهرة وهي السائمة ، والحبوب ، والثمار ، فروي عن أحمد ، أن الدين يمنع الزكاة أيضا فيها ; لما ذكرناه في الأموال الباطنة .

قال أحمد ، في رواية إسحاق بن إبراهيم : يبتدئ بالدين فيقضيه ، ثم ينظر ما بقي عنده بعد إخراج النفقة ، فيزكي ما بقي ، ولا يكون على أحد ، دينه أكثر من ماله ، صدقة في إبل ، أو بقر ، أو غنم ، أو زرع ، ولا زكاة . وهذا قول عطاء ، والحسن ، وسليمان ، وميمون بن مهران ، والنخعي ، والثوري ، والليث ، وإسحاق ، لعموم ما ذكرنا .

وروي ، أنه لا يمنع الزكاة فيها . وهو قول مالك ، والأوزاعي ، والشافعي . وروي عن أحمد أنه قال : قد اختلف ابن عمر وابن عباس ، فقال ابن عمر : يخرج ما استدان أو أنفق على ثمرته وأهله ، ويزكي ما بقي . وقال الآخر : يخرج ما استدان على ثمرته ، ويزكي ما بقي .

وإليه أذهب أن لا يزكي ما أنفق على ثمرته خاصة ، [ ص: 343 ] ويزكي ما بقي ; لأن المصدق إذا جاء فوجد إبلا ، أو بقرا ، أو غنما ، لم يسأل أي شيء على صاحبها من الدين ، وليس المال هكذا . فعلى هذه الرواية ، لا يمنع الدين الزكاة في الأموال الظاهرة ، إلا في الزرع والثمار ، فيما استدانه للإنفاق عليها خاصة .

وهذا ظاهر قول الخرقي ، لأنه قال في الخراج : يخرجه ، ثم يزكي ما بقي . جعله كالدين على الزرع . وقال في الماشية المرهونة : ( يؤدي منها إذا لم يكن له مال يؤدي عنها ) . فأوجب الزكاة فيها مع الدين .

وقال أبو حنيفة : الدين الذي تتوجه فيه المطالبة يمنع في سائر الأموال ، إلا الزرع والثمار . بناء منه على أن الواجب فيها ليس بصدقة ، والفرق بين الأموال الظاهرة والباطنة أن تعلق الزكاة بالظاهرة آكد ، لظهورها وتعلق قلوب الفقراء بها ، ولهذا يشرع إرسال من يأخذ صدقتها من أربابها ، { وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث السعاة ، فيأخذون الصدقة من أربابها ، } وكذلك الخلفاء بعده ، وعلى منعها قاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولم يأت عنه أنهم استكرهوا أحدا على صدقة الصامت ، ولا طالبوه بها ، إلا أن يأتي بها طوعا ، ولأن السعاة يأخذون زكاة ما يجدون ، ولا يسألون عما على صاحبها من الدين ، فدل على أنه لا يمنع زكاتها ، ولأن تعلق أطماع الفقراء بها أكثر ، والحاجة إلى حفظها أوفر ، فتكون الزكاة فيها أوكد .

التالي السابق


الخدمات العلمية