صفحة جزء
[ ص: 213 ] مسألة : قال : ( ثم يصلي مع الإمام المغرب وعشاء الآخرة ، بإقامة لكل صلاة . فإن جمع بينهما بإقامة واحدة ، فلا بأس ) وجملة ذلك أن السنة لمن دفع من عرفة ، أن لا يصلي المغرب حتى يصل مزدلفة ، فيجمع بين المغرب والعشاء . لا خلاف في هذا . قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم ، أن السنة أن يجمع الحاج بين المغرب والعشاء .

والأصل في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بينهما . رواه جابر ، وابن عمر ، وأسامة ، وأبو أيوب ، وغيرهم . وأحاديثهم صحاح . ويقيم لكل صلاة إقامة ; لما روى أسامة بن زيد ، قال : { دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة ، حتى إذا كان بالشعب نزل ، فبال ، ثم توضأ ، فقلت له : الصلاة يا رسول الله . قال : الصلاة أمامك . فركب ، فلما جاء مزدلفة نزل ، فتوضأ فأسبغ الوضوء ، ثم أقيمت الصلاة ، فصلى المغرب ، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ، ثم أقيمت الصلاة فصلى ، ولم يصل بينهما } . متفق عليه . وروي هذا القول عن ابن عمر . وبه قال سالم ، والقاسم بن محمد ، والشافعي ، وإسحاق .

وإن جمع بينهما بإقامة الأولى فلا بأس . يروى ذلك عن ابن عمر أيضا . وبه قال الثوري ; لما روى ابن عمر ، قال : { جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع ، صلى المغرب ثلاثا ، والعشاء ركعتين ، بإقامة واحدة } . رواه مسلم . وإن أذن للأولى وأقام ، ثم أقام للثانية ( الجمع بمزدلفة ) ، فحسن ; فإنه يروى في حديث جابر ، وهو متضمن للزيادة ، وهو معتبر بسائر الفوائت والمجموعات . وهو قول ابن المنذر ، وأبي ثور . والذي اختاره الخرقي إقامة لكل صلاة من غير أذان .

قال ابن المنذر : وهو آخر قولي أحمد ; لأنه رواية أسامة ، وهو أعلم بحال النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان رديفه ، وقد اتفق هو وجابر في حديثهما على إقامة لكل صلاة ، واتفق أسامة وابن عمر على الصلاة بغير أذان ، مع أن حديث ابن عمر المتفق عليه قال : بإقامة . قال وإنما لم يؤذن للأولى هاهنا ; لأنها في غير وقتها ، بخلاف المجموعتين بعرفة . وقال مالك : يجمع بينهما بأذان وإقامتين .

وروي ذلك عن عمر ، وابن عمر ، وابن مسعود . واتباع السنة أولى ، قال ابن عبد البر : لا أعلم فيما قاله مالك حديثا مرفوعا بوجه من الوجوه . وقال قوم : إنما أمر عمر بالتأذين للثانية ; لأن الناس كانوا قد تفرقوا لعشائهم ، فأذن لجمعهم ، وكذلك ابن مسعود ، فإنه يجعل العشاء بالمزدلفة بين الصلاتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية