صفحة جزء
( 2724 ) فصل : والهدي الواجب بغير النذر ينقسم قسمين ; منصوص عليه ، ومقيس على المنصوص . فأما المنصوص عليه فأربعة ، اثنان على الترتيب ، والواجب فيهما ما استيسر من الهدي ، وأقله شاة ، أو سبع بدنة ، أحدهما دم المتعة ، قال الله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم } . والثاني ، دم الإحصار ، قال الله تعالى { فما استيسر من الهدي } . وهو على الترتيب أيضا ، إن لم يجده انتقل إلى صيام عشرة أيام .

وإنما وجب ترتيبه ; لأن الله تعالى أمر به معينا من غير تخيير ، فاقتضى تعيينه الوجوب ، وأن لا ينتقل عنه إلا عند العجز ، كسائر الواجبات المعينة ، فإن لم يجده ، انتقل إلى صيام عشرة أيام بالقياس على دم المتعة ، إلا أنه لا يحل حتى يصومها . وهذا قول الشافعي .

وقال مالك ، وأبو حنيفة لا بدل له ; لأنه لم يذكر في القرآن . وهذا لا يلزم ، فإن عدم ذكره لا يمنع [ ص: 290 ] قياسه على نظيره . واثنان مخيران ; أحدهما ، فدية الأذى ، قال الله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } . الثاني ، جزاء الصيد ، وهو على التخيير أيضا بقوله تعالى : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما } .

القسم الثاني ، ما ليس بمنصوص عليه ، فيقاس على أشبه المنصوص عليه به ، فهدي المتعة وجب للترفه بترك أحد السفرين ، وقضائه النسكين في سفر واحد ، ويقاس عليه أيضا دم الفوات فيجب عليه مثل دم المتعة . وبدله مثل بدله ، وهو صيام عشرة أيام ، إلا أنه لا يمكن أن يكون ثلاثة قبل يوم النحر ، لأن الفوات إنما يكون بفوات ليلة النحر ، لأنه ترك بعض ما اقتضاه إحرامه ، فصار كالتارك لأحد السفرين . فإن قيل : فهلا ألحقتموه بهدي الإحصار ، فإنه أشبه به ، إذ هو حلال من إحرامه قبل إتمامه ؟ قلنا : أما الهدي فهما فيه سواء ، وأما البدل فإن الإحصار ليس بمنصوص على البدل فيه ، وإنما يثبت قياسا ، فقياس هذا على الأصل المنصوص عليه أولى من قياسه على فرعه ، على أن الصيام هاهنا مثل الصيام عن دم الإحصار ، وهو عشرة أيام أيضا ، إلا أن صيام الإحصار يجب أن يكون قبل حله ، وهذا يجوز فعله قبل حله وبعده ، وهو أيضا مقارن لصوم المتعة ; لأن الثلاثة في المتعة يستحب أن يكون آخرها يوم عرفة ، وهذا يكون بعد فوات عرفة .

والخرقي إنما جعل الصوم عن هدي الفوات مثل الصوم عن جزاء الصيد عن كل مد يوما . والمروي عن عمر وابنه مثل ما ذكرنا . ويقاس عليه أيضا كل دم وجب لترك واجب ، كدم القران ، وترك الإحرام من الميقات ، والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس ، والمبيت بمزدلفة ، والرمي ، والمبيت ليالي منى بها ، وطواف الوداع ، فالواجب فيه ما استيسر من الهدي ، فإن لم يجد فصيام عشرة أيام .

وأما من أفسد حجه بالجماع فالواجب فيه بدنة ; بقول الصحابة المنتشر الذي لم يظهر خلافه ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع ، كصيام المتعة . كذلك قال عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمرو . رواه عنهم الأثرم . ولم يظهر في الصحابة خلافهم ، فيكون إجماعا ، فيكون بدله مقيسا على بدل دم المتعة .

وقال أصحابنا : يقوم البدنة بدراهم ، ثم يشتري بها طعاما فيطعم كل مسكين مدا ، ويصوم عن كل مد يوما ، فتكون ملحقة بالبدنة الواجبة في جزاء الصيد .

ويقاس على فدية الأذى ما وجب بفعل محظور يترفه به ، كتقليم الأظافر ، واللبس ، والطيب . وكل استمتاع من النساء يوجب شاة كالوطء في العمرة أو في الحج بعد رمي الجمرة ، فإنه في معنى فدية الأذى من الوجه الذي ذكرناه ، فيقاس عليه ، ويلحق به ، فقد قال ابن عباس لامرأة وقع عليها زوجها قبل أن تقصر : عليك فدية من صيام أو صدقة أو نسك رواه الأثرم .

التالي السابق


الخدمات العلمية