( 2796 ) مسألة ; قال
nindex.php?page=showalam&ids=14209أبو القاسم ، رحمه الله : ( وكل
ما كيل أو وزن من سائر الأشياء ، فلا يجوز التفاضل فيه إذا كان جنسا واحدا ) قوله : " من سائر الأشياء " . يعني من جميعها . وضع سائر موضع جميع تجوزا ، وموضوعها الأصلي لباقي الشيء ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الربا أحاديث كثيرة ، ومن أتمها ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
[ ص: 26 ] {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14214الذهب بالذهب مثلا بمثل ، والفضة بالفضة مثلا بمثل ، والتمر بالتمر مثلا بمثل ، والبر بالبر مثلا بمثل ، والملح بالملح مثلا بمثل ، والشعير بالشعير مثلا بمثل ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى ، بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد ، وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يدا بيد ، وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدا بيد } . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم . فهذه الأعيان المنصوص عليها يثبت الربا فيها بالنص والإجماع .
واختلف أهل العلم فيما سواها ، فحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة أنهما قصرا الربا عليها ، وقالا : لا يجري في غيرها . وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=15858داود ونفاة القياس ، وقالوا : ما عداها على أصل الإباحة ; لقول الله تعالى {
: وأحل الله البيع } . واتفق القائلون بالقياس على أن ثبوت الربا فيها بعلة ، وأنه يثبت في كل ما وجدت فيه علتها ; لأن القياس دليل شرعي ، فيجب استخراج علة هذا الحكم ، وإثباته في كل موضع وجدت علته فيه .
وقول الله تعالى : {
وحرم الربا } . يقتضي تحريم كل زيادة ، إذ الربا في اللغة الزيادة ، إلا ما أجمعنا على تخصيصه . وهذا يعارض ما ذكروه . ثم اتفق أهل العلم على أن ربا الفضل لا يجري إلا في الجنس الواحد ، إلا
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ، فإنه قال : كل شيئين يتقارب الانتفاع بهما لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا ، كالحنطة بالشعير ، والتمر بالزبيب ، والذرة بالدخن ; لأنهما يتقارب نفعهما ، فجريا مجرى نوعي جنس واحد .
وهذا يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16465 : بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد ، وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم } . فلا يعول عليه . ثم يبطل بالذهب بالفضة ، فإنه يجوز التفاضل فيهما مع تقاربهما . واتفق المعللون على أن علة الذهب والفضة واحدة ، وعلة الأعيان الأربعة واحدة ، ثم اختلفوا في علة كل واحد منهما ; فروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في ذلك ثلاث روايات ، أشهرهن أن علة الربا في الذهب والفضة كونه موزون جنس ، وعلة الأعيان الأربعة مكيل جنس . نقلها عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد الجماعة ، وذكرها
nindex.php?page=showalam&ids=14209الخرقي ،
وابن أبي موسى ، وأكثر الأصحاب . وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي ،
والزهري ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
وإسحاق ، وأصحاب الرأي .
فعلى هذه الرواية يجري الربا في كل مكيل ، أو موزون بجنسه ، مطعوما كان أو غير مطعوم ، كالحبوب ، والأشنان ، والنورة ، والقطن ، والصوف ، والكتان ، والورس ، والحناء ، والعصفر ، والحديد ، والنحاس ، ونحو ذلك . ولا يجري في مطعوم لا يكال ولا يوزن ; لما روى
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29950 : لا تبيعوا الدينار بالدينارين ، ولا الدرهم بالدرهمين ، ولا الصاع بالصاعين ، فإني أخاف عليكم الرماء . وهو الربا ، فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله ، أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس ، والنجيبة بالإبل ؟ فقال : لا بأس إذا كان يدا بيد } . رواه الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في المسند ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34825ما وزن مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا ، وما كيل مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا . } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، ورواه عن
ابن صاعد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن
أحمد بن محمد بن أيوب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبي بكر بن عياش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14358الربيع بن صبيح ، عن
الحسن ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال : لم يروه عن
أبي بكر هكذا غير
محمد بن أحمد بن أيوب ، وخالفه غيره فرواه بلفظ آخر . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14596 : العبد خير من العبدين ، والثوب خير من الثوبين . فما كان يدا بيد فلا بأس به ، إنما الربا في النساء ، إلا ما كيل أو [ ص: 27 ] وزن . } ولأن قضية البيع المساواة ، والمؤثر في تحقيقها الكيل ، والوزن ، والجنس ، فإن الوزن أو الكيل يسوي بينهما صورة ، والجنس يسوي بينهما معنى ، فكانا علة ، ووجدنا الزيادة في الكيل محرمة دون الزيادة في الطعم ; بدليل بيع الثقيلة بالخفيفة ، فإنه جائز إذا تساويا في الكيل . والرواية الثانية ، أن العلة في الأثمان الثمنية ، وفيما عداها كونه مطعوم جنس ، فيختص بالمطعومات ، ويخرج منه ما عداها ، قال
أبو بكر : روى ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد جماعة ، ونحو هذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فإنه قال : العلة الطعم ، والجنس شرط .
والعلة في الذهب والفضة جوهرية الثمنية غالبا ، فيختص بالذهب والفضة ; لما روى
معمر بن عبد الله ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=4575أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل } . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم . ولأن الطعم وصف شرف ، إذ به قوام الأبدان ، والثمنية وصف شرف ، إذ بها قوام الأموال ، فيقتضي التعليل بهما ، ولأنه لو كانت العلة في الأثمان الوزن لم يجز إسلامهما في الموزونات ; لأن أحد وصفي علة ربا الفضل يكفي في تحريم النساء . والرواية الثالثة ; العلة فيما عدا الذهب والفضة كونه مطعوم جنس مكيلا أو موزونا ، فلا يجري الربا في مطعوم لا يكال ولا يوزن ، كالتفاح والرمان ، والخوخ ، والبطيخ ، والكمثرى ، والأترج ، والسفرجل ، والإجاص ، والخيار ، والجوز ، والبيض ، ولا فيما ليس بمطعوم ، كالزعفران ، والأشنان ، والحديد ، والرصاص ، ونحوه .
ويروى ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، وهو قديم قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ; لما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30746لا ربا إلا فيما كيل أو وزن ، مما يؤكل أو يشرب } . أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، وقال : الصحيح أنه من قول
سعيد ، ومن رفعه فقد وهم . ولأن لكل واحد من هذه الأوصاف أثرا ، والحكم مقرون بجميعها في المنصوص عليه ، فلا يجوز حذفه . ولأن الكيل والوزن والجنس لا يقتضي وجوب المماثلة ، وإنما أثره في تحقيقها في العلة ما يقتضي ثبوت الحكم لا ما تحقق شرطه ، والطعم بمجرده لا تتحقق المماثلة به ; لعدم المعيار الشرعي فيه .
وإنما تجب المماثلة في المعيار الشرعي وهو الكيل ، والوزن ، ولهذا وجبت المساواة في المكيل كيلا ، وفي الموزون وزنا ، فوجب أن يكون الطعم معتبرا في المكيل والموزون ، دون غيرهما . والأحاديث الواردة في هذا الباب يجب الجمع بينها ، وتقييد كل واحد منها بالآخر ، فنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام إلا مثلا بمثل يتقيد بما فيه معيار شرعي ، وهو الكيل والوزن ، ونهيه عن بيع الصاع بالصاعين يتقيد بالمطعوم المنهي عن التفاضل فيه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : العلة القوت ، أو : ما يصلح به القوت من جنس واحد من المدخرات . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15885ربيعة : يجري الربا فيما تجب فيه الزكاة دون غيره . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين : الجنس الواحد علة .
وهذا القول لا يصح ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم في بيع الفرس بالأفراس ، والنجيبة بالإبل {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29867 : لا بأس به إذا كان يدا بيد } . وروي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=2968أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع عبدا بعبدين } . رواه
أبو داود ،
والترمذي ، وقال : هو حديث حسن صحيح .
وقول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ينتقض بالحطب والإدام يستصلح به القوت ولا ربا فيه عنده ، وتعليل
nindex.php?page=showalam&ids=15885ربيعة ينعكس
[ ص: 28 ] بالملح ، والعكس لازم عند اتحاد العلة . والحاصل أن ما اجتمع فيه الكيل والوزن والطعم ، من جنس واحد ، ففيه الربا رواية واحدة ، كالأرز ، والدخن ، والذرة ، والقطنيات ، والدهن ، والخل ، واللبن ، واللحم ، ونحوه .
وهذا قول أكثر أهل العلم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : هذا قول علماء الأمصار في القديم والحديث ، سوى
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ، فإنه بلغني أنه شذ عن جماعة الناس ، فقصر تحريم التفاضل على الستة الأشياء .
وما انعدم فيه الكيل ، والوزن ، والطعم ، واختلف جنسه ، فلا ربا فيه ، رواية واحدة . وهو قول أكثر أهل العلم ، كالتين ، والنوى ، والقت ، والماء ، والطين الأرمني ، فإنه يؤكل دواء ، فيكون موزونا مأكولا ، فهو إذا من القسم الأول ، وما عداه إنما يؤكل سفها ، فجرى مجرى الرمل والحصى .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة : {
لا تأكلي الطين ، فإنه يصفر اللون } . وما وجد فيه الطعم وحده ، أو الكيل أو الوزن ، من جنس واحد ، ففيه روايتان ، واختلف أهل العلم فيه ، والأولى إن شاء الله تعالى حله ; إذ ليس في تحريمه دليل موثوق به ، ولا معنى يقوي التمسك به ، وهي مع ضعفها يعارض بعضها بعضا ، فوجب اطراحها ، أو الجمع بينها ، والرجوع إلى أصل الحل الذي يقتضيه الكتاب ، والسنة ، والاعتبار .
ولا فرق في المطعومات بين ما يؤكل قوتا ، كالأرز ، والذرة ، والدخن ، أو أدما كالقطنيات ، واللبن ، واللحم ، أو تفكها كالثمار ، أو تداويا كالإهليلج ، والسقمونيا ، فإن الكل في باب الربا واحد .