صفحة جزء
( 2878 ) الفصل الثالث : إن الثمرة إذا بقيت للبائع ، فله تركها في الشجر إلى أوان الجزاز ، سواء استحقها بشرطه أو بظهورها . وبه قال مالك ، والشافعي . وقال أبو حنيفة : يلزمه قطعها ، وتفريغ النخل منها ; لأنه مبيع مشغول بملك البائع ، فلزم نقله وتفريغه ، كما لو باع دارا فيها طعام ، أو قماش له . ولنا ، أن النقل والتفريغ للمبيع على حسب العرف والعادة ، كما لو باع دارا فيها طعام ، لم يجب نقله إلا على حسب العادة في ذلك ، وهو أن ينقله نهارا ، شيئا بعد شيء ، ولا يلزمه النقل ليلا ، ولا جمع دواب البلد لنقله . كذلك هاهنا ، يفرغ النخل من الثمرة في أوان تفريغها ، وهو أوان جزازها ، وقياسه حجة لنا ; لما بيناه .

إذا تقرر هذا ، فالمرجع في جزه إلى ما جرت به العادة ، فإذا كان المبيع نخلا ، فحين تتناهى حلاوة ثمره ، إلا أن يكون مما بسره خير من رطبه ، أو ما جرت العادة بأخذه بسرا ، فإنه يجزه حين تستحكم حلاوة بسره ; لأن هذا هو العادة ، فإذا استحكمت حلاوته ، فعليه نقله . وإن قيل : بقاؤه في شجره خير له وأبقى ; فعليه النقل ; لأن العادة في النقل قد حصلت ، وليس له إبقاؤه بعد ذلك .

وإن كان المبيع عنبا ، أو فاكهة سواه ، فأخذه حين يتناهى إدراكه ، وتستحكم حلاوته ، ويجز مثله . وهذا قول مالك ، والشافعي . ( 2879 ) فصل : فإن أبر بعضه دون بعض ، فالمنصوص عن أحمد ، أن ما أبر للبائع ، وما لم يؤبر للمشتري . وهو قول أبي بكر للخبر الذي عليه مبنى هذه المسألة ، فإن صريحه ، أن ما أبر للبائع ، ومفهومه ، أن ما لم يؤبر للمشتري .

وقال ابن حامد : الكل للبائع . وهو مذهب الشافعي ; لأنا إذا لم نجعل الكل للبائع ، أدى إلى الإضرار باشتراك الأيدي في البستان ، فيجب أن يجعل ما لم يؤبر تبعا لما أبر ، كثمر النخلة الواحدة ، فإنه لا خلاف في أن تأبير بعض النخلة يجعل جميعها للبائع ، وقد يتبع الباطن الظاهر منه ، كأساسات الحيطان تتبع الظاهر منه . ولأن البستان إذا بدا صلاح ثمرة منه جاز بيع جميعها بغير شرط القطع ، كذا هاهنا ، وهذا من النوع الواحد ; لأن الظاهر أن النوع الواحد يتقارب يتلاحق ، فأما إن أبر ، لم يتبعه النوع الآخر .

ولم يفرق أبو الخطاب بين النوع والجنس كله ، وهو ظاهر مذهب الشافعي ; لأنه يفضي إلى سوء المشاركة ، واختلاف الأيدي ، كما في النوع الواحد . ولنا ، أن النوعين يتباعدان ، ويتميز أحدهما من الآخر ، ولا يخشى اختلاطهما واشتباههما . فأشبها الجنسين . وما ذكره يبطل بالجنسين . ولا يصح القياس على النوع الواحد ; لافتراقهما فيما ذكرناه .

ولو باع حائطين قد أبر أحدهما ، لم يتبعه الآخر ; لأنه يفضي إلى سوء المشاركة ، واختلاف الأيدي ; لانفراد كل واحد منهما عن صاحبه . ولو أبر بعض الحائط ، فأفرد بالبيع ما لم يؤبر ، فللمبيع حكم نفسه ، ولا يتبع غيره . وخرج القاضي وجها في أنه يتبع غير المبيع ، ويكون للبائع ; لأنه قد ثبت للحائط كله حكم التأبير . وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي . ولا يصح ; هذا لأن المبيع لم يؤبر منه شيء ، فوجب أن يكون للمشتري ، بمفهوم الخبر ، وكما لو كان منفردا في بستان وحده . ولأنه لا يفضي إلى سوء المشاركة ، ولا اختلاف الأيدي ، ولا إلى ضرر ، فبقي على حكم الأصل . [ ص: 65 ]

فإن بيعت النخلة وقد أبرت كلها ، أو بعضها ، فأطلعت بعد ذلك ، فالطلع للمشتري ; لأنه حدث في ملكه ، فكان له ، كما لو حدث بعد جزاز الثمرة . ولأن ما أطلع بعد تأبير غيره لا يكاد يشتبه به ; لتباعد ما بينهما . ( 2880 ) فصل : وطلع الفحال كطلع الإناث . وهو ظاهر كلام الشافعي ويحتمل أن يكون طلع الفحال للبائع قبل ظهوره ; لأنه يؤخذ للأكل قبل ظهوره ، فهو كثمرة لا تخلق إلا ظاهرة ، كالتين ، ويكون ظهور طلعه كظهور ثمرة غيره . ولنا ، أنها ثمرة نخل إذا تركت ظهرت ، فهي كالإناث ، أو يدخل في عموم الخبر . وما ذكر للوجه الآخر لا يصح ; فإن أكله ليس هو المقصود منه ، وإنما يراد للتلقيح به ، وهو يكون بعد ظهوره ، فأشبه طلع الإناث .

فإن باع نخلا فيه فحال وإناث لم يتشقق منه شيء ، فالكل للمشتري ، إلا على الوجه الآخر ، فإن طلع الفحال يكون للبائع . وإن كان قد تشقق طلع أحد النوعين دون الآخر ، فما تشقق فهو للبائع ، وما لم يتشقق للمشتري ، إلا عند من سوى بين الأنواع كلها . وإن تشقق طلع بعض الإناث أو بعض الفحال ، فالذي قد ظهر للبائع ، وما لم يظهر على ما ذكرنا من الاختلاف فيه .

( 2881 ) فصل : وكل عقد معاوضة يجري مجرى البيع ، في أن الثمرة المؤبرة تكون لمن انتقل عنه الأصل ، وغير المؤبرة لمن انتقل إليه ، مثل أن يصدق المرأة نخلا ، أو يخلعها به ، أو يجعله عوضا في إجارة ، أو عقد صلح ; لأنه عقد معاوضة ، فجرى مجرى البيع . وإن انتقل بغير معاوضة كالهبة ، والرهن ، أو فسخ لأجل العيب ، أو فلس المشتري ، أو رجوع الأب في هبته لولده ، أو تقايلا المبيع ، أو كان صداقا فرجع إلى الزوج لفسخ المرأة النكاح ، أو نصفه لطلاق الزوج ، فإنه في الفسخ يتبع الأصل ، سواء أبر ، أو لم يؤبر ; لأنه نماء متصل ، فأشبه السمن ، وفي الهبة والرهن حكمهما حكم البيع ، في أنه يتبع قبل التأبير ، ولا يتبع فيما بعده ; لأن الملك زال عن الأصل بغير فسخ ، فكان الحكم فيه ما ذكرناه ، كالبيع . وأما رجوع البائع لفلس المشتري ، أو الزوج لانفساخ النكاح ، فيذكران في بابيهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية