صفحة جزء
( 3193 ) فصل : ويستحب الإشهاد في البيع ; لقول الله تعالى : { وأشهدوا إذا تبايعتم . } وأقل أحوال الأمر الاستحباب . ولأنه أقطع للنزاع ، وأبعد من التجاحد ، فكان أولى ، ويختص ذلك بما له خطر ، فأما الأشياء القليلة الخطر ، كحوائج البقال ، والعطار ، وشبههما ، فلا يستحب ذلك فيها ; لأن العقود فيها تكثر ، فيشق الإشهاد عليها ، وتقبح إقامة البينة عليها ، والترافع إلى الحاكم من أجلها ، بخلاف الكثير . وليس الإشهاد بواجب في واحد منهما ، ولا شرطا له . روي ذلك عن أبي سعيد الخدري وهو قول الشافعي ، وأصحاب الرأي ، وإسحاق وأبي أيوب وقالت طائفة : ذلك فرض لا يجوز تركه .

وروي ذلك عن ابن عباس . وممن رأى الإشهاد على البيع عطاء وجابر بن زيد ، والنخعي ; لظاهر الأمر ، ولأنه عقد معاوضة فيجب الإشهاد عليه كالنكاح . ولنا ، قول الله تعالى : { فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته } . وقال أبو سعيد : صار الأمر إلى الأمانة . وتلا هذه الآية ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم { اشترى من يهودي طعاما ، ورهنه درعه ، } { واشترى من رجل سراويل } ، { ومن أعرابي فرسا ، فجحده الأعرابي حتى شهد له خزيمة بن ثابت ، } ولم ينقل أنه أشهد في شيء من ذلك .

وكان الصحابة يتبايعون في عصره في الأسواق ، فلم يأمرهم بالإشهاد ، ولا نقل عنهم فعله ، ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ولو كانوا يشهدون في كل بياعاتهم لما أخل بنقله . { وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عروة بن الجعد أن يشتري له أضحية . ولم يأمره بالإشهاد ، وأخبره عروة أنه اشترى شاتين فباع إحداهما ، ولم ينكر عليه ترك الإشهاد . } ولأن المبايعة تكثر بين الناس في أسواقهم وغيرها ، فلو وجب الإشهاد في كل ما يتبايعونه ، أفضى إلى الحرج المحطوط عنا بقوله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } .

والآية المراد بها الإرشاد إلى حفظ الأموال والتعليم ، كما أمر بالرهن والكاتب ، وليس بواجب ، وهذا ظاهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية