صفحة جزء
( 3434 ) فصل : الشرط الثالث ، أن لا يكون البائع قبض من ثمنها شيئا .

فإن كان قد قبض بعض ثمنها ، سقط حق الرجوع . وبهذا قال إسحاق ، والشافعي في القديم ، وقال في الجديد : له أن يرجع في قدر ما بقي من الثمن ; لأنه سبب ترجع به العين كلها إلى العاقد ، فجاز أن يرجع به بعضها ، كالفرقة قبل الدخول في النكاح

وقال مالك : هو مخير ، إن شاء رد ما قبضه ورجع في جميع العين ، وإن شاء حاص الغرماء ولم يرجع . ولنا ، ما روى أبو بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أيما رجل باع سلعة ، فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس ، ولم يكن قد قبض من ثمنها شيئا ، فهي له ، وإن كان قد قبض من ثمنها شيئا فهو أسوة الغرماء } . رواه أبو داود ، وابن ماجه ، والدارقطني . ولأن في الرجوع في قسط ما بقي تبعيضا للصفقة على المشتري ، وإضرارا به ، وليس ذلك للبائع . فإن قيل : لا ضرر عليه في ذلك ; لأن ماله يباع ، ولا يبقى له ، فيزول عنه الضرر

قلنا : لا يندفع الضرر بالبيع ; فإن قيمته تنقص بالتشقيص ، ولا يرغب فيه مشقصا ، فيتضرر المفلس والغرماء بنقص القيمة . ولأنه سبب يفسخ به البيع ، فلم يجز تشقيصه ، كالرد بالعيب والخيار ، وقياس البيع على البيع أولى من قياسه على النكاح . ولا فرق بين كون المبيع عينا واحدة ، أو عينين ، لما ذكرنا من الحديث والمعنى

فإن قيل : حديثكم يرويه أبو بكر بن عبد الرحمن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، ولا حجة في المراسيل . قلنا : قد رواه مالك وموسى بن عقبة عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، كذلك ذكره ابن عبد البر ، وأخرجه أبو داود وابن ماجه والدارقطني في " سننهم " متصلا ، فلا يضر إرسال من أرسله ، فإن راوي المسند معه زيادة لا يعارضها ترك مرسل الحديث لها ، وعلى أن المرسل حجة ، فلا يضر إرساله .

التالي السابق


الخدمات العلمية