صفحة جزء
( 3534 ) فصل : فإن كان لأحدهما عليه بناء ، كحائط مبني عليه ، أو عقد معتمد عليه ، أو قبة ونحوها [ ص: 328 ] فهو له . وبهذا قال الشافعي ; لأن وضع بنائه عليه بمنزلة اليد الثابتة عليه ، لكونه منتفعا به ، فجرى مجرى كون حمله على البهيمة وزرعه في الأرض ، ولأن الظاهر أن الإنسان لا يترك غيره يبني على حائطه .

وكذلك إن كانت له عليه سترة ، ولو كان في أصل الحائط خشبة طرفها تحت حائط ينفرد به أحدهما ، أو له عليها أزج معقود ، فالحائط المختلف فيه له ; لأن الظاهر أن الخشبة لمن ينفرد بوضع بنائه عليها ، فيكون الظاهر أن ما عليها من البناء له .

( 3535 ) فصل : فإن كان لأحدهما خشب موضوع ، فقال أصحابنا : لا ترجح دعواه بذلك . وهو قول الشافعي ; لأن هذا مما يسمح به الجار . وقد ورد الخبر بالنهي عن المنع منه . وعندنا إنه حق يجب التمكين منه . فلم ترجح به الدعوى ، كإسناد متاعه إليه ، وتجصيصه وتزويقه .

ويحتمل أن ترجح به الدعوى . وهو قول مالك ; لأنه منتفع به بوضع ماله عليه ، فأشبه الباني عليه والزارع في الأرض ، وورود الشرع بالنهي عن المنع منه ، لا يمنع كونه دليلا على الاستحقاق ، بدليل أنا استدللنا بوضعه على كون الوضع مستحقا على الدوام ، حتى متى زال جازت إعادته ، ولأن كونه مستحقا تشترط له الحاجة إلى وضعه ، ففيما لا حاجة إليه له منعه من وضعه .

وأما السماح به ، فإن أكثر الناس لا يتسامحون به ، ولهذا لما روى أبو هريرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم { ، طأطئوا رءوسهم ، كراهة لذلك ، فقال : مالي أراكم عنها معرضين ؟ والله لأرمين بها بين أكتافكم } . وأكثر الفقهاء لا يوجبون التمكين من هذا ، ويحملون الحديث على كراهة المنع لا على تحريمه . ولأن الحائط يبني لذلك ، فيرجح به ، كالأزج . وقال أصحاب أبي حنيفة : لا ترجح الدعوى بالجذع الواحد ; لأن الحائط لا يبني له ، ويرجح بالجذعين ; لأن الحائط يبني لهما ولنا ، أنه موضوع على الحائط ، فاستوى في ترجيح الدعوى به قليله وكثيره ، كالبناء .

( 3536 ) فصل : ولا ترجح الدعوى بكون الدواخل إلى أحدهما والخوارج ووجوه الآجر والحجارة ، ولا كون الآجرة الصحيحة مما يلي ملك أحدهما وأقطاع الآجر إلى ملك الآخر ، ولا بمعاقد القمط في الخص ، يعني عقد الخيوط التي يشد بها الخص . وبهذا قال أبو حنيفة ، والشافعي . وقال أبو يوسف ، ومحمد : يحكم به لمن إليه وجه الحائط ومعاقد القمط ; لما روى نمر بن حارثة التميمي ، عن أبيه { ، أن قوما اختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في خص ، فبعث حذيفة بن اليمان ليحكم بينهم ، فحكم به لمن يليه معاقد القمط ، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : أصبت ، وأحسنت } . رواه ابن ماجه . وروي نحوه عن علي .

ولأن العرف جار بأن من بنى حائطا جعل وجه الحائط إليه . ولنا ، عموم قوله عليه السلام : { البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر } . ولأن وجه الحائط ومعاقد القمط إذا كانا شريكين فيه لا بد من أن يكون إلى أحدهما ، إذ لا يمكن كونه إليهما جميعا ، فبطلت دلالته كالتزويق ، ولأنه يراد للزينة ، فأشبه التزويق . وحديثهم لا يثبته أهل النقل ، وإسناده مجهول . قاله ابن المنذر .

قال الشالنجي : ذكرت هذا الحديث لأحمد ، فلم يقنعه ، وذكرته لإسحاق بن راهويه ، فقال : ليس هذا حديثا . ولم [ ص: 329 ] يصححه . وحديث علي فيه مقال ، وما ذكروه من العرف ليس بصحيح ; فإن العادة جعل وجه الحائط إلى خارج ليراه الناس ، كما يلبس الرجل أحسن أثوابه ، أعلاها الظاهر للناس ، ليروه ، فيتزين به ، فلا دليل فيه .

( 3537 ) . فصل : ولا ترجح الدعوى بالتزويق والتحسين ، ولا يكون أحدهما له على الآجر سترة غير مبنية عليه ; لأنه مما يتسامح به ، ويمكن إحداثه .

التالي السابق


الخدمات العلمية