( 3678 ) مسألة ; قال : (
وإذا ضارب لرجل ، لم يجز أن يضارب لآخر ، إذا كان فيه ضرر على الأول . فإن فعل ، وربح ، رده في شركة الأول )
. وجملة ذلك أنه إذا أخذ من إنسان مضاربة إحداها ثم أراد أخذ مضاربة أخرى من آخر ، فأذن له الأول ، جاز . وإن لم يأذن له ، ولم يكن عليه ضرر ، جاز أيضا ، بغير خلاف ، وإن كان فيه ضرر على رب المال الأول ولم يأذن ، مثل أن يكون المال الثاني كثيرا يحتاج إلى أن يقطع زمانه ، ويشغله عن التجارة في الأول ، ويكون المال الأول كثيرا متى اشتغل عنه بغيره انقطع عن بعض تصرفاته ، لم يجز له ذلك .
وقال أكثر الفقهاء : يجوز ; لأنه عقد لا يملك به منافعه كلها ، فلم يمنع من المضاربة ، كما لو لم يكن فيه ضرر ، وكالأجير المشترك . ولنا ، أن المضاربة على الحظ والنماء ، فإذا فعل ما يمنعه ، لم يكن له ، كما لو أراد التصرف بالعين ، وفارق ما لا ضرر فيه . فعلى هذا إذا فعل وربح ، رد الربح في شركة الأول ، ويقتسمانه ، فلينظر ما ربح في المضاربة الثانية ، فيدفع إلى رب المال منها نصيبه ، ويأخذ المضارب نصيبه من الربح ، فيضمه إلى ربح المضاربة الأولى ، ويقاسمه لرب المضاربة الأولى ; لأنه استحق حصته من الربح بالمنفعة التي استحقت بالعقد الأول ، فكان بينهما ، كربح المال . الأول .
فأما حصة رب المال الثاني من الربح ، فتدفع إليه ; لأن العدوان من المضارب لا يسقط حق رب المال الثاني ، ولأنا لو رددنا ربح الثاني كله في الشركة الأولى ، لاختص الضرر برب المال الثاني ، ولم يلحق المضارب شيء من الضرر ، والعدوان منه ، بل ربما انتفع إذا كان قد شرط الأول النصف
[ ص: 31 ] والثاني الثلث ، ولأنه لا يخلو إما أن يحكم بفساد المضاربة الثانية ، أو بصحتها ، فإن كانت فاسدة ، فالربح كله لرب المال ، وللمضارب أجر مثله ، وإن حكمنا بصحتها ، وجب صرف حصة رب المال إليه بمقتضى العقد وموجب الشرط . والنظر يقتضي أن لا يستحق رب المضاربة الأولى من رب الثانية شيئا ; لأنه إنما يستحق بمال أو عمل ، وليس له في المضاربة الثانية مال ولا عمل . وتعدي المضارب إنما كان بترك العمل ، واشتغاله عن المال الأول ، وهذا لا يوجب عوضا ، كما لو اشتغل بالعمل في مال نفسه ، أو آجر نفسه ، أو ترك التجارة للعب ، أو اشتغال بعلم أو غير ذلك . ولو أوجب عوضا ، لأوجب شيئا مقدرا ، لا يختلف ولا يتقدر بربحه في الثاني . والله أعلم .