( 4226 ) فصل :
ولا تخلو الأرض من قسمين أحدهما أن يكون له ماء دائم ، إما من نهر لم تجر العادة بانقطاعه ، أو لا ينقطع إلا مدة لا يؤثر في الزرع ، أو من عين نابعة ، أو بركة من مياه الأمطار يجتمع فيها ثم يسقي به ، أو من بئر يقوم بكفايتها ، أو ما يشرب بعروقه لنداوة الأرض ، وقرب الماء الذي تحت الأرض ، فهذا كله دائم . ويصح استئجارها للغرس والزرع
بغير خلاف علمناه
وكذلك الأرض التي تشرب من مياه الأمطار ، ويكتفى بالمعتاد منه ; لأن ذلك بحكم العادة ، ولا ينقطع إلا نادرا ، فهو كسائر الصور المذكورة .
الثاني أن لا يكون لها ماء دائم ، وهي نوعان أحدهما ما يشرب من زيادة معتادة تأتي في وقت الحاجة ، كأرض
مصر الشاربة من زيادة النيل ، وما يشرب من زيادة الفرات وأشباهه ، وأرض
البصرة الشاربة من المد والجزر ، وأرض
دمشق الشاربة من زيادة
بردى
أو ما يشرب من الأودية الجارية من ماء المطر ، فهذه تصح إجارتها قبل وجود الماء الذي تسقى به وبعده . وحكى
ابن الصباغ ذلك مذهبا
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي . وقال أصحابه : إن أكراها بعد الزيادة ، صح ، ولا يصح قبلها ; لأنها معدومة ، لا نعلم هل يقدر عليها أم لا . ولنا أن هذا معتاد ، الظاهر وجوده ، فجازت إجارة الأرض الشاربة به ، كالشاربة من مياه الأمطار ، ولأن ظن القدرة على التسليم في وقته يكفي في صحة العقد ، كالسلم في الفاكهة إلى أوانها .
النوع الثاني ، أن يكون مجيء الماء نادرا ، أو غير ظاهر كالأرض التي لا يكفيها إلا المطر الشديد الكثير ، الذي يندر وجوده . أو يكون شربها من فيض واد مجيئه نادر ، أو من زيادة نادرة في نهر أو عين غالبة ، فهذه إن أجرها بعد وجود ماء يسقيها به ، صح أيضا ; لأنه أمكن الانتفاع بها وزرعها ، فجازت إجارتها ، كذات الماء الدائم . وإن أجرها قبله للغرس أو الزرع ، لم يصح ، لأنه يتعذر الزرع غالبا ، ويتعذر المعقود عليه في الظاهر ، فلم تصح إجارتها ، كالآبق والمغصوب . وإن اكتراها على أنها لا ماء لها ، جاز ; لأنه تمكن من الانتفاع بها بالنزول فيها ، ووضع رحله ، وجمع الحطب فيها ، وله أن يزرعها رجاء الماء
وإن حصل له ماء
[ ص: 282 ] قبل زرعها ، فله زرعها ; لأن ذلك من منافعها الممكن استيفاؤها . وليس له أن يبني ، ولا يغرس ; لأن ذلك يراد للتأبيد . وتقدير الإجارة بمدة تقتضي تفريغها عند انقضائها . فإن قيل : فلو استأجرها للغراس والبناء صح مع تقدير المدة . قلنا : التصريح بالبناء والغراس صرف التقدير عن مقتضاه ، بظاهره في التفريغ عند انقضاء المدة ، إلا أن يشترط قلع ذلك عند انقضاء المدة ، فيصرف الغراس والبناء عما يراد له بظاهره ، بخلاف مسألتنا
وإن أطلق إجارة هذه الأرض ، مع العلم بحالها ، وعدم مائها ، صح ; لأنهما دخلا في العقد على أنها لا ماء لها ، فأشبه ما لو شرطاه . وإن لم يعلم عدم مائها ، أو ظن المكتري أنه يمكن تحصيل ماء لها بوجه من الوجوه ، لم يصح العقد ، ولأنه ربما دخل في العقد بناء على أن المالك لها يحصل لها ماء ، وأنه يكتريها للزراعة مع تعذرها . وقيل : لا يصح العقد مع الإطلاق وإن علم حالها ; لأن إطلاق كراء الأرض يقتضي الزراعة . والأولى صحته ; لأن العلم بالحال يقوم مقام الاشتراط ، كالعلم بالعيب يقوم مقام شرطه ، ومتى كان لها ماء غير دائم أو الظاهر انقطاعه قبل الزرع ، أو لا يكفي الزرع ، فهي كالتي لا ماء لها ، ومذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في هذا كله كما ذكرنا .