( 4353 ) فصل : في
أحكام المياه ، قد ذكرنا في البيع حكم ملكها وبيعها ، ونذكر هاهنا حكم السقي بها . فنقول :
لا يخلو الماء من حالين ; إما أن يكون جاريا ، أو واقفا ، فإن كان جاريا فهو ضربان أحدهما أن يكون في نهر غير مملوك ، وهو قسمان أحدهما أن يكون نهرا عظيما ، كالنيل والفرات ودجلة ، وما أشبهها من الأنهار العظيمة ، التي لا يستضر أحد بسقيه منها ، فهذا لا تزاحم فيه ، ولكل أحد أن يسقي منها ما شاء ، متى شاء ، وكيف شاء .
القسم الثاني ، أن يكون نهرا صغيرا يزدحم الناس فيه ، ويتشاحون في مائه ، أو سيلا يتشاح فيه أهل الأرض الشاربة منه ، فإنه يبدأ من في أول النهر ، فيسقي ويحبس الماء حتى يبلغ إلى الكعب ، ثم يرسل إلى الذي يليه فيصنع كذلك ، وعلى هذا إلى أن تنتهي الأراضي كلها
فإن لم يفضل عن الأول شيء ، أو عن الثاني ، أو عمن يليهم فلا شيء للباقين ; لأنه ليس لهم إلا ما فضل ، فهم كالعصبة في الميراث . وهذا قول فقهاء
المدينة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، ولا نعلم فيه مخالفا . والأصل في هذا ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=14عبد الله بن الزبير ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=5317أن رجلا من الأنصار خاصم nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير في شراج الحرة ، التي يسقون بها ، إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم : اسق يا nindex.php?page=showalam&ids=15زبير ، ثم أرسل الماء إلى جارك . فغضب الأنصاري ، وقال : يا رسول الله ، أن كان ابن عمتك ؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : يا nindex.php?page=showalam&ids=15زبير اسق ، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر . قال nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير : فوالله إني لأحسب هذه الآية نزلت فيه : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } } . متفق عليه . ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، في " موطئه " عن
الزهري ، عن
عروة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14عبد الله بن الزبير .
وذكر عنه
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر ، عن
الزهري قال : نظرنا في قول النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=98483ثم احبس الماء حتى يبلغ إلى الجدر } . فكان ذلك إلى الكعبين . قال
أبو عبيد :
الشراج : جمع شرج ،
[ ص: 340 ] والشرج : نهر صغير ،
والحرة : أرض ملتبسة بحجارة سود ، والجدر : الجدار ، وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير أن يسقي ثم يرسل الماء ، تسهيلا على غيره ، فلما قال الأنصاري ما قال ، استوعى النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير حقه . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، في " الموطأ " أيضا ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16397عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، أنه بلغه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=5924أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سيل مهزور ومذينيب : يمسك حتى الكعبين ، ثم يرسل الأعلى على الأسفل } قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : هذا حديث مدني ، مشهور عند أهل
المدينة ، معمول به عندهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13055عبد الملك بن حبيب :
مهزور ومذينيب : واديان من أودية
المدينة ، يسيلان بالمطر ، وتتنافس أهل الحوائط في سيلهما . وروى
أبو داود ، بإسناده عن
ثعلبة بن أبي مالك ، أنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20353سمع كبراءهم يذكرون ، أن رجلا من قريش كان له سهم في بني قريظة ، فخاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيل مهزور والسيل الذي يقتسمون ماءه ، فقضى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الماء إلى الكعبين ، لا يحبس الأعلى على الأسفل }
ولأن من أرضه قريبة من فوهة النهر أسبق إلى الماء ، فكان أولى به ، كمن سبق إلى المشرعة ، فإن كانت أرض صاحب الأعلى مختلفة ، منها مستعلية ومنها مستفلة ، سقى كل واحدة منهما على حدتها ، وإن
استوى اثنان في القرب من أول النهر ، اقتسما الماء بينهما ، إن أمكن ، وإن لم يمكن أقرع بينهما ، فقدم من تقع له القرعة ، فإن كان الماء لا يفضل عن أحدهما ، سقى من تقع له القرعة بقدر حقه من الماء ، ثم تركه للآخر ، وليس له أن يسقي بجميع الماء ; لأن الآخر يساويه في استحقاق الماء ، وإنما القرعة للتقديم في استيفاء الحق ، لا في أصل الحق ، بخلاف الأعلى مع الأسفل ; فإنه ليس للأسفل حق إلا فيما فضل عن الأعلى
فإن كانت أرض أحدهما أكثر من أرض الآخر ، قسم الماء بينهما على قدر الأرض ; لأن الزائد من أرض أحدهما مساو في القرب ، فاستحق جزءا من الماء ، كما لو كان لشخص ثالث . وإن
كان لجماعة رسم شرب ، من نهر غير مملوك ، أو سيل ، وجاء إنسان ليحيي مواتا أقرب إلى رأس النهر من أرضهم ، لم يكن له أن يسقي قبلهم ; لأنهم أسبق إلى النهر منه ، ولأن من ملك أرضا ملكها بحقوقها ومرافقها ، ولا يملك غيره إبطال حقوقها ، وهذا من حقوقها . وهل لهم منعه من إحياء ذلك الموات ؟ فيه وجهان أحدهما ليس لهم منعه ; لأن حقهم في النهر لا في الموات . والثاني لهم منعه ، لئلا يصير ذلك ذريعة إلى منعهم حقهم من السقي ، لتقديمه عليهم بالقرب إذا طال الزمان وجهل الحال
فإذا قلنا : ليس لهم منعه .
فسبق إنسان إلى مسيل ماء أو نهر غير مملوك ، فأحيا في أسفله مواتا ، ثم أحيا آخر فوقه ، ثم أحيا ثالث فوق الثاني ، كان للأسفل السقي أولا ، ثم الثاني ، ثم الثالث ، ويقدم السبق إلى الإحياء على السبق إلى أول النهر ; لما ذكرنا .