( 4395 ) مسألة قال : ( فإذا لم يبق منهم أحد ، رجع إلى المساكين ) يعني إذا
وقف على قوم ونسلهم ، ثم على المساكين ، فانقرض القوم ونسلهم ، فلم يبق منهم أحد ، رجع إلى المساكين ، ولم ينتقل إليهم ما دام أحد من القوم أو من نسلهم باقيا ; لأنه رتبه للمساكين بعدهم . والمساكين الذين يستحقون السهم من الزكاة ، والفقراء يدخلون فيهم ، وكذلك لفظ الفقراء يدخل فيه المساكين ; لأن كل واحد من اللفظين يطلق عليهما .
والمعنى الذي يسميان به شامل لهما ، وهو الحاجة والفاقة ، ولهذا لما سمى الله عز وجل المساكين ، في مصرف كفارة اليمين ، وكفارة الظهار ، وفدية الأذى ، تناولهما جميعا ، وجاز الصرف إلى كل واحد منهما ، ولما ذكر الفقراء في قوله : {
للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله } . وفي قوله : {
وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } . تناول القسمين ، وكل موضع ذكر فيه أحد اللفظين تناول القسمين ، إلا في الصدقات ، لأن الله تعالى جمع بين الاسمين ، وميز بين المسميين ، فاحتجنا إلى التمييز بينهما ، وفي غير الصدقات يسمى الكل بكل واحد من الاسمين ، فإن جمع بين الاسمين بالوقف أيضا ،
فقال : وقفت هذا على الفقراء والمساكين ، نصفين ، أو ثلاثا
وجب التمييز بينهما أيضا ، فنزلناهما منزلتهما من سهام الصدقات . وإن قال : على الفقراء والمساكين فقياس المذهب جواز الاقتصار على أحد الصنفين ، وإباحة الدفع إلى واحد ، كما قلنا في الزكاة . ويتخرج أن لا يجوز الدفع إلى أقل من ثلاثة من كل صنف ، بناء على القول في الزكاة أيضا . ولا خلاف في أنه لا يجب تعميمهم بالعطية ، كما لا يجب استيعابهم بالزكاة ، ولا في أنه يجوز التفضيل بين من يعطيه منهم ، سواء كانوا ذكورا أو إناثا ، أو كان الوقف ابتداء ، أو انتقل إليهم عن غيرهم
وضابط هذا أنه متى كان الوقف على من يمكن حصرهم واستيعابهم ، والتسوية بينهم ، وجب استيعابهم والتسوية بينهم ، إذا لم يفضل الواقف بعضهم على بعض ، فإن وقف على من لا يمكن حصرهم ، كالمساكين ، أو قبيلة كبيرة
كبني تميم وبني هاشم ، جاز الدفع إلى واحد وإلى أكثر منه ، وجاز التفضيل والتسوية ; لأن وقفه عليهم ، مع علمه بتعذر استيعابهم ، دليل على أنه لم يرده ، ومن جاز حرمانه ، جاز تفضيل غيره عليه . فإن
كان الوقف في ابتدائه على من يمكن استيعابه ، فصار ممن لا يمكن استيعابه ، كرجل وقف على ولده وولد ولده ، فصاروا قبيلة كبيرة تخرج عن الحصر ، مثل أن يقف علي على ولده ونسله ، فإنه يجب تعميم من أمكن منهم ، والتسوية بينهم .
لأن التعميم كان واجبا ، وكذلك التسوية ، فإذا تعذر ، وجب منه ما أمكن ، كالواجب الذي يعجز عن بعضه ; ولأن الواقف أراد التعميم والتسوية ، لإمكانه
[ ص: 362 ] وصلاح لفظه لذلك ، فيجب العمل بما أمكن منه ، بخلاف ما إذا كانوا حال الوقف مما لا يمكن ذلك فيهم .