صفحة جزء
( 4474 ) مسألة قال : ( فإن مات ولم يردده ، فقد ثبت لمن وهب له ، إذا كان ذلك في صحته ) يعني إذا فاضل بين ولده في العطايا ، أو خص بعضهم بعطية ، ثم مات قبل أن يسترده ، ثبت ذلك للموهوب له ، [ ص: 394 ] ولزم ، وليس لبقية الورثة الرجوع . هذا المنصوص عن أحمد ، في رواية محمد بن الحكم ، والميموني ، وهو اختيار الخلال ، وصاحبه أبي بكر .

وبه قال مالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي ، وأكثر أهل العلم ، وفيه رواية أخرى عن أحمد ، أن لسائر الورثة أن يرتجعوا ما وهبه . اختاره ابن بطة وأبو حفص العكبريان . وهو قول عروة بن الزبير ، وإسحاق . وقال أحمد : عروة قد روى الأحاديث الثلاثة ; حديث عائشة ، وحديث عمر ، وحديث عثمان ، وتركها وذهب إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم { يرد في حياة الرجل وبعد موته }

وهذا قول إسحاق ، إلا أنه قال : إذا مات الرجل فهو ميراث بينهم ، لا يسع أن ينتفع أحد مما أعطي دون إخوته وأخواته ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى ذلك جورا بقوله : { لا تشهدني على جور } . والجور حرام لا يحل للفاعل فعله ، ولا للمعطى تناوله . والموت لا يغيره عن كونه جورا حراما ، فيجب رده ، ولأن أبا بكر وعمر أمرا قيس بن سعد ، أن يرد قسمة أبيه حين ولد له ولد ، ولم يكن علم به ، ولا أعطاه شيئا ، وكان ذلك بعد موت سعد ، فروى سعيد ، بإسناده من طريقين .

أن سعد بن عبادة قسم ماله بين أولاده ، وخرج إلى الشام ، فمات بها ، ثم ولد بعد ذلك ولد فمشى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، إلى قيس بن سعد ، فقالا : إن سعدا قسم ماله ، ولم يدر ما يكون ، وإنا نرى أن ترد هذه القسمة . فقال قيس : لم أكن لأغير شيئا صنعه سعد ، ولكن نصيبي له . وهذا معنى الخبر . ووجه القول الأول قول أبي بكر رضي الله عنه ، لعائشة ، لما نحلها نحلا : وددت لو أنك كنت حزتيه .

فدل على أنها لو كانت حازته لم يكن له الرجوع . وكذلك قول عمر : لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد

ولأنها عطية لولده فلزمت بالموت كما لو انفرد . وقوله : " إذا كان ذلك في صحته " يدل على أن عطيته في مرض موته لبعض ورثته لا تنفذ ; لأن العطايا في مرض الموت بمنزلة الوصية ، في أنها تعتبر من الثلث إذا كانت لأجنبي إجماعا ، فكذلك لا تنفذ في حق الوارث . قال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم ، أن حكم الهبات في المرض الذي يموت فيه الواهب ، حكم الوصايا ، هذا مذهب المديني ، والشافعي ، والكوفي

فإن أعطى أحد بنيه في صحته ، ثم أعطى الآخر في مرضه ، فقد توقف أحمد فيه ، فإنه سئل عمن زوج ابنه ، فأعطى عنه الصداق ، ثم مرض الأب ، وله ابن آخر ، هل يعطيه في مرضه كما أعطى الآخر في صحته ؟ فقال : لو كان أعطاه في صحته ، فيحتمل وجهين أحدهما ، لا يصح ; لأن عطيته في مرضه كوصيته ، ولو وصى له لم يصح ، فكذلك إذا أعطاه . والثاني يصح ; لأن التسوية بينهما واجبة ، ولا طريق لها في هذا الموضع إلا بعطية الآخر ، فتكون واجبة ، فتصح ، كقضاء دينه

( 4475 ) فصل : قال أحمد : أحب أن لا يقسم ماله ، ويدعه على فرائض الله تعالى ، لعله أن يولد له ، فإن أعطى ولده ماله ، ثم ولد له ولد ، فأعجب إلي أن يرجع فيسوي بينهم . يعني يرجع في الجميع ، أو يرجع في بعض ما أعطى كل واحد منهم ليدفعوه إلى هذا الولد الحادث ، ليساوي إخوته . فإن كان هذا الولد الحادث بعد الموت ، لم يكن له الرجوع على إخوته ; لأن العطية لزمت بموت أبيه ، إلا على الرواية الأخرى ، التي ذهب إليها أبو عبد الله بن بطة

ولا خلاف في أنه يستحب لمن أعطي أن يساوي أخاه في عطيته ، ولذلك أمر أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، قيس بن سعد ، برد قسمة أبيه ليساووا المولود الحادث بعد موت أبيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية