صفحة جزء
( 43 ) مسألة قال : ( وإذا مات في الماء اليسير ما ليس له نفس سائلة مثل الذباب والعقرب والخنفساء وما أشبه ذلك ، فلا ينجسه ) النفس هاهنا : الدم يعني : ما ليس له دم سائل ، والعرب تسمي الدم نفسا ، قال الشاعر :

أنبئت أن بني سحيم أدخلوا أبياتهم تامور نفس المنذر

يعني : دمه .

ومنه قيل للمرأة : نفساء ; لسيلان دمها عند الولادة ، وتقول العرب : نفست المرأة . إذا حاضت ، ونفست من النفاس . وكل ما ليس له دم سائل : كالذي ذكره الخرقي من الحيوان البري ، أو حيوان البحر ، منه العلق ، والديدان ، والسرطان ، ونحوها ، لا يتنجس بالموت ، ولا يتنجس الماء إذا مات فيه ، في قول عامة الفقهاء ; قال ابن المنذر : لا أعلم في ذلك خلافا ، إلا ما كان من أحد قولي الشافعي ، قال فيها قولان : أحدهما :

ينجس قليل الماء . قال بعض أصحابه : وهو القياس

والثاني : لا ينجس وهو الأصلح للناس فأما الحيوان في نفسه فهو عنده نجس ، قولا واحدا ; لأنه حيوان لا يؤكل لا لحرمته ، فينجس بالموت ، كالبغل والحمار ، ولنا : قول النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله ، فإن في أحد جناحيه داء ، وفي الآخر شفاء . } رواه البخاري ، وأبو داود ، وفي لفظ : { إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه كله ، ثم ليطرحه ; فإن في أحد جناحيه سما ، وفي الآخر شفاء } .

قال ابن المنذر : ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك . قال الشافعي : مقله ليس بقتله .

قلنا : اللفظ عام في كل شراب بارد ، أو حار ، أو دهن ، مما يموت بغمسه فيه ، فلو كان ينجس الماء كان أمرا بإفساده ، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم { قال لسلمان : يا سلمان ، أيما طعام أو شراب ماتت فيه دابة ليست لها نفس سائلة ، فهو الحلال : أكله ، وشربه ، ووضوءه } . وهذا صريح . أخرجه الترمذي ، والدارقطني ، قال الترمذي : يرويه بقية ، وهو مدلس ، فإذا روى عن الثقات جود

ولأنه لا نفس له سائلة ، لم يتولد من النجاسة ، فأشبه دود الخل إذا مات فيه ، فإنهم سلموا ذلك ونحوه ، أنه لا ينجس المائع الذي تولد منه ، إلا أن يؤخذ ثم يطرح فيه ، أو يشق الاحتراز منه ، أشبه ما ذكرناه ، وإذا ثبت أنه لا ينجس ، لزم أن لا يكون نجسا ; لأنه لو كان نجسا لنجس كسائر النجاسات .

( 44 ) فصل : فإن غير الماء فحكمه حكم الطاهرات ; إن كان مما لا يمكن التحرز منه ، كالجراد يتساقط في الماء ونحوه ، فهو كورق الشجر المتناثر في الماء ، يعفى عنه ، وإن كان مما يمكن التحرز منه ، كالذي يلقى في الماء قصدا ، فهو كالورق الذي يلقى في الماء ، ولو تغير الماء بحيوان مذكى ، من غير أن يصيب نجاسة ، فقد نقل إسحاق بن منصور ، قال : سئل أحمد عن شاة مذبوحة ، وقعت في ماء فتغير ريح الماء ؟ قال : لا بأس ، إنما ذلك إذا كان من نجاسة .

وقال عبد الله بن أحمد : قال أبي : وأما السمك إذا غير الماء ، فأرجو أن لا يكون به بأس .

التالي السابق


الخدمات العلمية