صفحة جزء
( 4598 ) فصل : وإذا ملك المريض من يعتق عليه بغير عوض ، عتق وورث . وبهذا قال مالك ، وبعض أصحاب الشافعي . وحكاه الخبري مذهبا للشافعي . ولا خلاف بين هؤلاء في أنه إذا ملكه بالميراث ، أنه يعتق ويرث . وقال أبو حنيفة : إن حمله الثلث ، عتق وورث ، وإلا سعى فيما بقي عليه ، ولم يرث . ولم يفرق بين أن يملكه بعوض أو غيره . وقال أبو يوسف ، ومحمد : يحتسب ميراثهم من قيمتهم ، فإن فضل شيء أخذه ، وإن فضل عليهم شيء سعوا فيه . ولنا ، أن المريض لم يضع فيهم شيئا من ماله ، وإنما تعاطى سبب ملكهم على وجه لم يستقر ، وزال بغير إزالته ، فلم يحتسب عليه من ثلثه ، كما لو اتهب شيئا فرجع الواهب فيه قبل قبضه ، أو اشترى شيئا فيه غبطة بشرط الخيار ففسخ البائع ، أو وجد بالثمن عيبا ففسخ البيع ، أو تزوجت المرأة فطلقت قبل الدخول . وإذا لم تكن وصية تحتسب عليه من الثلث ، لم يمنع الميراث ، كما لو ملكه بالميراث عند من سلمه ، أو كما لو كان ذلك في صحته ، فإن ملكه بعوض ، كالشراء ، فحكى الخبري عن أحمد ، أنه يعتق ويرث . وهذا قول ابن الماجشون ، وأهل البصرة . وقال القاضي ، في " المجرد " : إن ملكه بعوض ، وخرج من الثلث ، عتق وورث ، وإلا عتق منه بقدر الثلث .

وهذا قول مالك . وقال الخبري : وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي . وحكى غيره عن الشافعي أنه لا فرق عنده بين أن يملكه بعوض أو غيره ، وأنه إن خرج من الثلث عتق ، وإلا عتق منه بقدر الثلث ، ولا يرث في الحالين ; لأنه لو ورث لكان إعتاقه وصية لوارث ، فيبطل عتقه ، ويبطل ميراثه ، لبطلان عتقه ، فيؤدي توريثه إلى إبطال توريثه ، فصححنا عتقه ولم نورثه ، لئلا يفضي إلى ذلك . ومذهب أبي حنيفة وصاحبيه في هذا ، كمذهبهم فيما إذا ملكه بغير عوض . [ ص: 60 ] ولنا ، على إعتاقه قول النبي صلى الله عليه وسلم { : من ملك ذا رحم محرم ، فهو حر } . ولأنه ملك وجد معه ما ينافيه ، فبطل ، كملك النكاح مع ملك الرقبة ، أعني فيما إذا اشترى أحد الزوجين صاحبه . وإذا عتق ورث ; لأنه وجد سبب الميراث عريا عن الموانع ، فورث ، كما لو ورثه . وقولهم : إن عتقه وصية . لا يصح ; لأن الوصية فعله ، والعتق هاهنا يحصل من غير اختياره ، ولا إرادته ، ولأن رقبة المعتق لا تحصل له ، وإنما تتلف ماليته وتزول ، فيصير ذلك كتلفه بقتل بعض رقيقه ، أو كإتلاف بعض ماله في بناء مسجد ، مثال ذلك : مريض وهب له ابنه ، فقبله وقيمته مائة ، ثم مات المريض ، وخلف ابنا آخر ومائتين ، فإنه يعتق ، ويقاسم أخاه المائتين ، في قول الأكثرين . وعند الشافعي ، فيما حكى عنه غير الخبري ، يعتق ولا يرث شيئا . وعند صاحبي أبي حنيفة ، يعتق وله نصف التركة ، فيحتسب عليه بقيمته ويبقى له خمسون . وإن كان باقي التركة خمسين ، فعندنا يعتق ، وله نصف الخمسين . وهو قول مالك . وعند أبي حنيفة ، يعتق نصفه ، ويسعى في باقيه ، والخمسون كلها لأخيه . وقال صاحباه : يعتق ثلاثة أرباعه . وعند الشافعي ، في قول غير الخبري ، يعتق نصفه ، ويرق نصفه ، ونصفه الرقيق والخمسون كلها لأخيه . وإن كان باقي التركة ثلاثمائة ، فعندنا يعتق وله مائة وخمسون . وعند الشافعي ، يعتق ولا يرث شيئا . وعند صاحبي أبي حنيفة ، يعتق وله مائة . فإن كان اشترى ابنه بمائة ، ومات ، وخلف ابنا آخر ومائة أخرى ، فعلى الرواية الأولى ، يعتق ويقاسم أخاه المائة الباقية . وعلى ما حكاه القاضي ، يعتق منه ثلثاه ، ويرث أربعين ، ويعتق باقيه على أخيه ، ولا يرث بذلك الجزء شيئا ; لأن عتقه حصل بعد موت أبيه . وعند الشافعي يعتق ثلثاه ، ولا يرث . وقال أبو حنيفة : يعتق ثلثاه ، ويسعى في باقيه ، ولا يرث . وعند صاحبيه ، يعتق كله ، ولا يرث شيئا ، فإن كان قد تصدق قبل ذلك بثلثه ، أو حابى به ، لم يعتق ; لأن الثلث قد ذهب .

التالي السابق


الخدمات العلمية