صفحة جزء
( 4699 ) فصل : وإذا ملك المريض من يعتق عليه بغير عوض ، كالهبة والميراث ، عتق ، وورث المريض إذا مات . وبهذا قال مالك ، وأكثر أصحاب الشافعي . وقال بعضهم : يعتق ، ولا يرث ; لأن عتقه وصية ، فلا يجتمع مع الميراث . وهذا لا يصح ; لأنه لو كان وصية لاعتبر من الثلث ، كما لو اشتراه .

وجعل أهل العراق عتق الموهوب وصية ، يعتبر خروجه من الثلث ، فإن خرج من الثلث عتق وورث ، وإن لم يخرج من الثلث سعى في قيمة باقيه ، ولم يرث في قول أبي حنيفة ، وقال أبو يوسف ، ومحمد : يحتسب بقيمته من ميراثه ، فإن فضل من قيمته شيء سعى فيه . ولنا ، أن الوصية هي التبرع بماله بعطية أو إتلاف ، أو التسبب إلى ذلك ، ولم يوجد واحد منهما ; لأن العتق ليس من فعله ، ولا يقف على اختياره ، وقبول الهبة ليس بعطية

ولا إتلاف لماله ، وإنما هو تحصيل شيء يتلف بتحصيله فأشبه قبوله لشيء لا يمكنه حفظه ، أو لما يتلف ببقائه . في وقت لا يمكنه التصرف فيه ، وفارق الشراء ; فإنه تضييع لماله في ثمنه . وقال القاضي : هذا الذي ذكرناه قياس قول أحمد ; لأنه قال في مواضع : إذا وقف في مرضه على ورثته صح ، ولم يكن وصية ; لأن الوقف ليس بمال ; لأنه لا يباع ولا يورث . قال الخبري : هذا قول أحمد وابن الماجشون وأهل البصرة ، ولم يذكر فيه عن أحمد خلافا

فأما إن اشترى من يعتق عليه ، فقال القاضي : إن حمله الثلث عتق وورثه . وهذا قول مالك وأبي حنيفة . وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث ، ويرث بقدر ما فيه من الحرية ، وباقيه على الرق ، فإن كان الوارث ممن يعتق عليه إذا ملكه ، عتق عليه إذا ورثه . وقال أبو يوسف [ ص: 104 ] ومحمد : لا وصية لوارث ، ويحتسب بقيمته من ميراثه ، فإن فضل من قيمته شيء سعى فيه . وقال بعض أصحاب مالك : يعتق من رأس المال ، ويرث كالموهوب والموروث

وهو قياس قوله ، لكونه لم يجعل الوقف وصية وإجازة للوارث ، فهذا أولى ; لأن العبد لا يملك رقبته ، فيجعل ذلك وصية له ، ولا يجوز أن يجعل الثمن وصية له ; لأنه لم يصل إليه ، ولا وصية للبائع ; لأنه قد عاوض عنه ، وإنما هو كبناء مسجد وقنطرة ، في أنه ليس بوصية لمن ينتفع به ، فلا يمنعه ذلك الميراث . واختلف أصحاب الشافعي في قياس قوله ، فقال بعضهم : إذا حمله الثلث عتق وورث ; لأن عتقه ليس بوصية له ، على ما ذكرنا

وقيل : يعتق ولا يرث ; لأنه لو ورث لصارت وصية لوارث ، فتبطل وصيته ، ويبطل عتقه وإرثه ، فيفضي توريثه إلى إبطال توريثه ، فكان إبطال توريثه أولى . وقيل على مذهبه : شراؤه باطل ; لأن ثمنه وصية ، والوصية تقف على خروجها من الثلث ، أو إجازة الورثة ، والبيع عنده لا يجوز أن يكون موقوفا . ومن مسائل ذلك : مريض وهب له ابنه ، فقبله ، وقيمته مائة ، وخلف مائتي درهم وابنا آخر ، فإنه يعتق ، وله مائة ولأخيه مائة

وهذا قول مالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي . وقيل ، على قول الشافعي : لا يرث ، والمائتان كلها للابن الحر . وقال أبو يوسف ، ومحمد : يرث نصف نفسه ، ونصف المائتين ، ويحتسب بقيمة نصف الباقي من ميراثه . إن كان قيمته مائتين ، وبقية التركة مائة ، عتق من رأس المال ، والمائة بينه وبين أخيه . وبهذا قال مالك ، والشافعي

وقال أبو حنيفة : يعتق منه نصفه ، لأنه قدر ثلث التركة ، ويسعى في قيمة باقيه ، ولا يرث ; لأن المستسعى عنده كالعبد لا يرث إلا في أربعة مواضع : الرجل يعتق أمته على أن تتزوجه . والمرأة تعتق عبدها على أن يتزوجها ، فيأبيان ذلك . والعبد الموهوب يعتقه سيده . والمشتري للعبد يعتقه قبل قبضه وهما معسران . ففي هذه المواضع يسعى كل واحد في قيمته ، وهو حر يرث

وقال أبو يوسف ، ومحمد : يرث نصف التركة ، وذلك ثلاثة أرباع رقبته ، ويسعى في ربع قيمته لأخيه . وإن وهب له ثلاث أخوات متفرقات ، لا مال له سواهن ، ولا وارث ، عتقن من رأس المال . وهذا قول مالك . وإن كان اشتراهن فكذلك ، فيما ذكره الخبري عن أحمد . وهو قول ابن الماجشون ، وأهل البصرة ، وبعض أصحاب مالك ، وعلى قول القاضي ، يعتق ثلثهن ، في أحد الوجهين

وهو قول مالك ، وفي الآخر يعتقن كلهن ; لكون وصية من لا وارث له جائزة في جميع ماله ، في أصح الروايتين . وإن ترك مالا يخرجن من ثلثه عتقن وورثن .

وقال أبو حنيفة : إذا اشتراهن أو وهبن له ، ولا مال له سواهن ، ولا وارث ، عتقن ، وتسعى كل واحدة من الأخت للأب والأخت للأم في نصف قيمتها للأخت من الأب والأم ، وإنما لم يرثا ; لأنهما لو ورثا لكان لهما خمسا الرقاب ، وذلك رقبة وخمس ، بينهما نصفين ، فكان يبقى عليهما سعاية ، إذا بقيت عليهما سعاية لم يرثا ، وكانت لهما الوصية ، وهي رقبة بينهما نصفين

وأما الأخت للأبوين ، فإذا ورثت ، عتقت ; لأن لها ثلاثة أخماس الرقاب ، وذلك أكثر من قيمتها ، [ ص: 105 ] فورثت وبطلت وصيتها . وقال أبو يوسف ، ومحمد : تبغض ، وتسعى كل واحدة من الأخت للأب ، والأخت من الأم ، للأخت من الأبوين ، في خمسي قيمتها ; لأن كل واحدة ترث ثلاثة أخماس رقبة . على قول الشافعي يعتقن .

التالي السابق


الخدمات العلمية