صفحة جزء
( 5079 ) الفصل الرابع : أن الخمس يقسم على خمسة أسهم . وبهذا قال عطاء ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، وقتادة ، وابن جريج ، والشافعي . وقيل : يقسم على ستة ; سهم لله تعالى وسهم لرسوله لظاهر قوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } . فعد ستة ، وجعل الله تعالى لنفسه سهما سادسا ، وهو مردود على عباد الله أهل الحاجة .

وقال أبو العالية : سهم الله عز وجل هو أنه إذا عزل الخمس ضرب بيده فيه ، فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة ، فهو الذي سمي لله لا تجعلوا له نصيبا ، فإن لله الدنيا والآخرة ، ثم يقسم بقية السهم الذي عزله على خمسة أسهم . وروي عن الحسن ، وقتادة ، في سهم ذي القربى ، كانت طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ، فلما توفي حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله . وروى ابن عباس ، أن أبا بكر وعمر قسما الخمس على ثلاثة أسهم

ونحوه حكي عن الحسن بن محمد بن الحنفية . وهو قول أصحاب الرأي ، قالوا : يقسم الخمس على ثلاثة ; اليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل . وأسقطوا سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بموته ، وسهم قرابته أيضا . وقال مالك : الفيء والخمس واحد ، يجعلان في بيت المال . قال ابن القاسم : وبلغني عمن أثق به ، أن مالكا قال : يعطي الإمام أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يرى وقال الثوري والحسن : يضعه الإمام حيث أراه الله عز وجل .

ولنا ، قول الله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } . وسهم الله والرسول واحد . كذا قال عطاء ، والشعبي . وقال الحسن بن محمد بن الحنفية وغيره : قوله : { فأن لله خمسه } [ ص: 315 ] افتتاح كلام . يعني أن ذكر الله تعالى لافتتاح الكلام باسمه ، تبركا به . لا لإفراده بسهم ، فإن لله تعالى الدنيا والآخرة .

وقد روي عن ابن عمر ، وابن عباس ، قالا : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم الخمس على خمسة } وما ذكره أبو العالية فشيء لا يدل عليه رأي ، ولا يقتضيه قياس ، ولا يصار إليه إلا بنص صحيح يجب التسليم له ، ولا نعلم في ذلك أثرا صحيحا ، سوى قوله ، فلا يترك ظاهر النص وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله من أجل قول أبي العالية . وما قاله أبو حنيفة ، فمخالف لظاهر الآية فإن الله تعالى سمى لرسوله وقرابته شيئا ، وجعل لهما في الخمس حقا ، كما سمى للثلاثة الأصناف الباقية ، فمن خالف ذلك ، فقد خالف نص الكتاب .

وأما حمل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، على سهم ذي القربى في سبيل الله ، فقد ذكر لأحمد ، فسكت ، وحرك رأسه ، ولم يذهب إليه ، ورأى أن قول ابن عباس ومن وافقه أولى ; لموافقته كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن ابن عباس لما سئل عن سهم ذي القربى ، قال : إنا كنا نزعم أنه لنا ، فأبى ذلك علينا قومنا . ولعله أراد بقوله : أبى ذلك علينا قومنا . فعل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، في حملهما عليه في سبيل الله ، ومن تبعهما على ذلك .

ومتى اختلف الصحابة ، وكان قول بعضهم يوافق الكتاب والسنة ، كان أولى . وقول ابن عباس موافق للكتاب والسنة ; فإن جبير بن مطعم روى ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { لم يقسم لبني عبد شمس ولا بني نوفل من الخمس شيئا ، كما كان يقسم لبني هاشم ولبني المطلب } وإن أبا بكر كان يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما كان يعطيهم ، وكان عمر يعطيهم وعثمان من بعده رواه أحمد في " مسنده " وقد تكلم في رواية ابن عباس عن أبي بكر وعمر ، أنهما حملا على سهم ذي القربى في سبيل الله ; فقيل : إنه يرويه محمد بن مروان وهو ضعيف ، عن الكلبي ، وهو ضعيف أيضا .

ولا يصح عند أهل النقل . فإن قالوا : فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس بباق ، فكيف يبقى سهمه ؟ قلنا : جهة صرفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مصلحة المسلمين ، المصالح باقية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما يحل لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه ، إلا الخمس } ، وهو مردود عليكم " رواه سعيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية