صفحة جزء
( 5100 ) فصل : فإن ادعى أن له عيالا ، فقال القاضي ، وأبو الخطاب : يقلد ويعطى لهم ، كما يقلد في دعوى حاجته . وقال ابن عقيل عندي لا يقبل قوله إلا ببينة ; لأن الأصل عدم العيال ، ولا تتعذر إقامة البينة عليه ، وفارق ما إذا ادعى أنه لا كسب له ، فإنه يدعي ما يوافق الأصل ; لأن الأصل عدم الكسب والمال ، وتتعذر عليه إقامة البينة عليه . ولو ادعى الفقر من عرف بالغنى ، لم يقبل قوله إلا ببينة تشهد بأن ماله تلف أو نفد ; لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تحل المسألة إلا لثلاثة ; رجل أصابته فاقة حتى يشهد له ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلانا فاقة ، فحلت له المسألة ، حتى يصيب قواما من عيش ، أو سدادا من عيش } .

وهل يعتبر في البينة على الفقر ثلاثة ، أو يكتفى باثنين ؟ فيه وجهان ; أحدهما ، لا يكفي إلا ثلاثة ; لظاهر الخبر . والثاني ، يقبل قول اثنين ; لأن قولهما يقبل في الفقر بالنسبة إلى حقوق الآدميين ، المبنية على الشح والضيق ، ففي حق الله تعالى أولى ، والخبر إنما ورد في حل المسألة ، فيقتصر عليه . وإن لم يعرف له مال ، قبل قوله ، ولم يستحلف ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستحلف الرجلين اللذين رآهما جلدين . فإن رآه متجملا قبل قوله أيضا ; لأنه لا يلزم من ذلك الغنى ، بدليل قول الله تعالى : { يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف }

لكن ينبغي أن يخبره أن ما يعطيه من الزكاة ; لئلا يكون ممن لا تحل له الزكاة . وإن رآه ظاهر المسكنة ، أعطاه منها ، ولم يحتج أن يبين له شرط جواز الأخذ ، ولا أن ما يدفعه إليه زكاة . قال أحمد رحمه الله وقد سئل عن الرجل يدفع زكاته إلى رجل : هل يقول له : هذه زكاة ؟ فقال : يعطيه ويسكت ، ولا يقرعه . فاكتفى بظاهر حاله عن سؤاله وتعريفه .

التالي السابق


الخدمات العلمية