صفحة جزء
( 6268 ) فصل : وإن ولدت امرأته توأمان ، وهو أن يكون بينهما دون ستة أشهر . فاستلحق أحدهما ، ونفى الآخر ، لحقا به ; لأن الحمل الواحد لا يجوز أن يكون بعضه منه وبعضه من غيره ، فإذا ثبت نسب أحدهما منه ، ثبت نسب الآخر ضرورة ، فجعلنا ما نفاه تابعا لما استلحقه ، ولم نجعل ما أقر به تابعا لما نفاه ; لأن النسب يحتاط لإثباته لا لنفيه ، ولهذا لو أتت امرأته بولد يمكن كونه منه ، ويمكن أن يكون من غيره ، ألحقناه به احتياطا ، ولم نقطعه عنه احتياطا لنفيه . فإن كان قد قذف أمهما وطالبته بالحد ، فله إسقاطه باللعان . وحكي عن القاضي ، أنه يحد ، ولا يملك إسقاطه باللعان . وهو مذهب الشافعي ; لأنه باستلحاقه اعترف بكذبه في قذفه ، فلم يسمع إنكاره بعد ذلك .

ووجه الأول ، أنه لا يلزم من كون الولد منه ، انتفاء الزنا عنها ، كما لا يلزم من وجود الزنا منها كون الولد منه ، ولذلك لو أقرت بالزنا ، أو قامت به بينة ، لم ينتف الولد عنه ، فلا تنافي بين لعانه وبين استلحاقه للولد . وإن استلحق [ ص: 58 ] أحد التوأمين وسكت عن الآخر ، لحقه ; لأنه لو نفاه للحقه ، فإذا سكت عنه كان أولى ، ولأن امرأته متى أتت بولد ، لحقه ما لم ينفه عنه باللعان . وإن نفى أحدهما ، وسكت عن الآخر ، لحقاه جميعا . فإن قيل : ألا نفيتم المسكوت عنه ; لأنه قد نفى أخاه ، وهما حمل واحد ؟ قلنا لحوق النسب مبني على التغليب ، وهو يثبت بمجرد الإمكان ، وإن كان لم يثبت الوطء ، ولا ينتفي الإمكان للنفي ، فافترقا .

فإن أتت بولد ، فنفاه ، ولاعن لنفيه ، ثم ولدت آخر لأقل من ستة أشهر ، لم ينتف الثاني باللعان الأول ; لأن اللعان تناول الأول وحده ، ويحتاج في نفي الثاني إلى لعان ثان . ويحتمل أنه ينتفي بنفيه من غير حاجة إلى لعان ثان ; لأنهما حمل واحد ، وقد لاعن لنفيه مرة ، فلا يحتاج إلى لعان ثان . ذكره القاضي . فإن أقر بالثاني ، لحقه هو والأول ; لما ذكرناه ، وإن سكت عن نفيه ، لحقاه أيضا . فأما إن نفى الولد باللعان ، ثم أتت بولد آخر بعد ستة أشهر ، فهذا من حمل آخر ، فإنه لا يجوز أن يكون بين ولدين من حمل واحد مدة الحمل ، ولو أمكن لم تكن هذه مدة حمل كامل .

فإن نفى هذا الولد باللعان انتفى ، ولا ينتفي بغير اللعان ; لأنه حمل منفرد ، وإن استلحقه ، أو ترك نفيه ، لحقه وإن كانت قد بانت باللعان ; لأنه يمكن أن يكون قد وطئها بعد وضع الأول . وإن لاعنها قبل وضع الأول ، فأتت بولد ، ثم ولدت آخر بعد ستة أشهر ، لم يلحقه الثاني ; لأنها بانت باللعان ، وانقضت عدتها بوضع الأول ، وكان حملها الثاني بعد انقضاء عدتها في غير نكاح ، فلم يحتج إلى نفيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية