النوع الرابع :
أن يلقيه في مهلكة ، وذلك على أربعة أضرب ، أحدها : أن يلقيه من شاهق كرأس جبل ، أو حائط عال ، يهلك به غالبا ، فيموت ، فهو عمد . الثاني : أن يلقيه في نار ، أو ماء يغرقه ، ولا يمكنه التخلص منه ، إما لكثرة الماء والنار ، وإما لعجزه عن التخلص ، لمرض ، أو ضعف أو صغر ، أو كونه مربوطا ، أو منعه الخروج ، أو كونه في حفرة لا يقدر على الصعود منها ، ونحو هذا ، أو ألقاه في بئر ذات نفس ، فمات به ، عالما بذلك ، فهذا كله عمد ; لأنه يقتل غالبا . وإن ألقاه في ماء يسير يقدر على الخروج منه ، فلبث فيه اختيارا حتى مات ، فلا قود فيه ولا دية ; لأن هذا الفعل لم يقتله ، وإنما حصل موته بلبثه فيه ، وهو فعل نفسه ، فلم يضمنه غيره .
وإن تركه في نار يمكنه التخلص منها لقلتها ، أو كونه في طرف منها يمكنه الخروج بأدنى حركة ; فلم يخرج حتى مات ، فلا قود ; لأن هذا لا يقتل غالبا ، وهل يضمنه ؟ فيه وجهان : أحدهما ، لا يضمنه ; لأنه مهلك لنفسه بإقامته ، فلم يضمنه ، كما لو ألقاه في ماء يسير ، لكن يضمن ما أصابت النار منه . والثاني : يضمنه ; لأنه جاء بالإلقاء المفضي إلى الهلاك ، وترك التخلص لا يسقط الضمان ، كما لو فصده فترك شد فصاده مع إمكانه ، أو جرحه فترك مداواة جرحه ، وفارق الماء ; لأنه لا يهلك بنفسه ، ولهذا يدخله الناس للغسل والسباحة والصيد ، وأما النار فيسيرها يهلك . وإنما تعلم قدرته على التخلص بقوله : أنا قادر على التخلص . أو نحو
[ ص: 211 ] هذا ; لأن النار لها حرارة شديدة ، فربما أزعجته حرارتها عن معرفة ما يتخلص به ، أو أذهبت عقله بألمها وروعتها . وإن
ألقاه في لجة لا يمكنه التخلص منها ، فالتقمه حوت ، ففيه وجهان : أحدهما ، عليه القود ; لأنه ألقاه في مهلكة فهلك ، فأشبه ما لو غرق فيها . والثاني : لا قود عليه ; لأنه لم يهلك بها ، أشبه ما لو قتله آدمي آخر .
وإن ألقاه في ماء يسير ، فأكله سبع ، أو التقمه حوت أو تمساح ، فلا قود عليه ; لأن الذي فعله لا يقتل غالبا ، وعليه ضمانه ; لأنه هلك بفعله .