( 7065 ) مسألة : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14209أبو القاسم رحمه الله : ( وإذا
اتفق المسلمون على إمام ، فمن خرج عليه من المسلمين يطلب موضعه ، حوربوا ، ودفعوا بأسهل ما يندفعون به ) وجملة الأمر أن
من اتفق المسلمون على إمامته وبيعته ، ثبتت إمامته ، ووجبت معونته ; لما ذكرنا من الحديث والإجماع ، وفي معناه ، من ثبتت إمامته بعهد النبي صلى الله عليه وسلم أو بعهد إمام قبله إليه ، فإن
أبا بكر ثبتت إمامته بإجماع الصحابة على بيعته ،
nindex.php?page=showalam&ids=2، وعمر ثبتت إمامته بعهد
أبي بكر إليه ، وأجمع الصحابة على قبوله .
ولو
خرج رجل على الإمام ، فقهره ، وغلب الناس بسيفه حتى أقروا له ، وأذعنوا بطاعته ، وبايعوه ، صار إماما يحرم قتاله ، والخروج عليه ; فإن
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان ، خرج على
nindex.php?page=showalam&ids=14ابن الزبير ، فقتله ، واستولى على البلاد وأهلها ، حتى بايعوه طوعا وكرها ، فصار إماما يحرم الخروج عليه ; وذلك لما في الخروج عليه من شق عصا المسلمين ، وإراقة دمائهم ، وذهاب أموالهم ، ويدخل الخارج عليه في عموم قوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36307من خرج على أمتي ، وهم جميع ، فاضربوا عنقه بالسيف ، كائنا من كان } . فمن خرج على من ثبتت إمامته بأحد هذه الوجوه باغيا ، وجب قتاله ، ولا يجوز قتالهم حتى يبعث إليهم من يسألهم ، ويكشف لهم الصواب ، إلا أن يخاف كلبهم ; فلا يمكن ذلك في حقهم .
فأما إن أمكن تعريفهم ، عرفهم ذلك ، وأزال ما يذكرونه من المظالم ، وأزال حججهم ، فإن لجوا ، قاتلهم حينئذ ; لأن الله تعالى بدأ بالأمر بالإصلاح قبل القتال ، فقال سبحانه : {
وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } . وروي أن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا ، رضي الله عنه راسل أهل
البصرة قبل وقعة الجمل ، ثم أمر أصحابه أن لا يبدءوهم بالقتال ، ثم قال : إن هذا يوم من فلج فيه فلج يوم القيامة . ثم سمعهم يقولون : الله أكبر ، يا ثارات
عثمان . فقال : اللهم أكب قتلة
عثمان لوجههم .
وروى
عبد الله بن شداد بن الهادي ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا لما اعتزلته
الحرورية ، بعث إليهم
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس ، فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام ، فرجع منهم أربعة آلاف . فإن أبوا الرجوع ، وعظهم ، وخوفهم القتال ; وإنما كان كذلك ، لأن المقصود كفهم ، ودفع شرهم ، لا قتلهم ، فإذا أمكن بمجرد القول ، كان أولى من القتال ; لما فيه من الضرر بالفريقين . فإن سألوا الإنظار ، نظر في حالهم ، وبحث عن أمرهم ، فإن بان له أن قصدهم الرجوع إلى الطاعة ، ومعرفة الحق ،
[ ص: 6 ] أمهلهم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم .
وإن كان قصدهم الاجتماع على قتاله ، وانتظار مدد يقوون به ، أو خديعة الإمام ، أو ليأخذوه على غرة ، ويفترق عسكره ، لم ينظرهم ، وعاجلهم ; لأنه لا يأمن من أن يصير هذا طريقا إلى قهر أهل العدل ، ولا يجوز هذا ، وإن أعطوه عليه مالا ; لأنه لا يجوز أن يأخذ المال على إقرارهم على ما لا يجوز إقرارهم عليه . وإن بذل له رهائن على إنظارهم ، لم يجز أخذها لذلك ; ولأن الرهائن لا يجوز قتلهم لغدر أهلهم ، فلا يفيد شيئا . وإن كان في أيديهم أسرى من أهل العدل ، وأعطوا بذلك رهائن منهم ، قبلهم الإمام ، واستظهر للمسلمين ; فإن أطلقوا أسرى المسلمين الذين عندهم ، أطلقت رهائنهم ، وإن قتلوا من عندهم ، لم يجز قتل رهائنهم ; لأنهم لا يقتلون بقتل غيرهم ، فإذا انقضت الحرب ، خلى الرهائن ، كما تخلى الأسارى منهم .
وإن خاف الإمام على الفئة العادلة الضعف عنهم ، أخر قتالهم إلى أن تمكنه القوة عليهم ; لأنه لا يؤمن الاصطلام والاستئصال ، فيؤخرهم حتى تقوى شوكة أهل العدل ، ثم يقاتلهم . وإن سألوه أن ينظرهم أبدا ، ويدعهم وما هم عليه ، ويكفوا عن المسلمين ، نظرت ، فإن لم يعلم قوته عليهم ، وخاف قهرهم له إن قاتلهم ، تركهم . وإن قوي عليهم ، لم يجز إقرارهم على ذلك ; لأنه لا يجوز أن
يترك بعض المسلمين طاعة الإمام ، ولا تؤمن قوة شوكتهم ، بحيث يفضي إلى قهر الإمام العادل ومن معه . ثم إن أمكن دفعهم بدون القتل ، لم يجز قتلهم ; لأن المقصود دفعهم لأهلهم ; ولأن المقصود إذا حصل بدون القتل ، لم يجز القتل من غير حاجة . وإن حضر معهم من لا يقاتل ، لم يجز قتله .
وقال أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : فيه وجه آخر ، يجوز ; لأن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا رضي الله عنه نهى أصحابه عن قتل
nindex.php?page=showalam&ids=16979محمد بن طلحة السجاد ، وقال : إياكم وصاحب البرنس . فقتله رجل ، وأنشأ يقول :
وأشعث قوام بآيات ربه قليل الأذى فيما ترى العين مسلم هتكت له بالرمح جيب قميصه
فخر صريعا لليدين وللفم على غير شيء غير أن ليس تابعا
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا ومن لم يتبع الحق يظلم يناشدني { حم } ، والرمح شاجر
فهلا تلا { حم } قبل التقدم
وكان
السجاد حامل راية أبيه ، ولم يكن يقاتل ، فلم ينكر
nindex.php?page=showalam&ids=8علي قتله ، ولأنه صار ردءا لهم . ولنا قول الله تعالى : {
ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها } .
والأخبار الواردة في تحريم قتل المسلم ، والإجماع على تحريمه ، وإنما خص من ذلك ما حصل ضرورة دفع الباغي والصائل ، ففيما عداه يبقى على العموم والإجماع فيه ; ولهذا حرم قتل مدبرهم وأسيرهم ، والإجهاز على جريحهم ، مع أنهم إنما تركوا القتال عجزا عنه ، ومتى ما قدروا عليه ، عادوا إليه ، فمن لا يقاتل تورعا عنه مع قدرته عليه ولا يخاف منه القتال بعد ذلك أولى ، ولأنه مسلم ، لم يحتج إلى دفعه ، ولا صدر منه أحد الثلاثة ، فلم يحل دمه ; لقوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31391لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث } .
فأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، في نهيه عن قتل
السجاد ، فهو حجة عليه ، فإن نهي
nindex.php?page=showalam&ids=8علي أولى من فعل من خالفه ، ولا يمتثل قول الله تعالى ، ولا قول رسوله ، ولا قول إمامه . وقولهم : لم ينكر قتله ; قلنا : لم ينقل إلينا أن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا علم حقيقة الحال في قتله ، ولا حضر
[ ص: 7 ] قتله فينكره ، وقد جاء أن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا رضي الله عنه حين طاف في القتلى رآه ، فقال :
السجاد ورب
الكعبة ، هذا الذي قتله بره بأبيه . وهذا يدل على أنه لم يشعر بقتله . ورأى
كعب بن سور ، فقال : يزعمون إنما خرج إلينا الرعاع ، وهذا الحبر بين أظهرهم ، ويجوز أن يكون تركه الإنكار عليهم اجتزاء بالنهي المتقدم ; ولأن القصد من قتالهم كفهم ، وهذا كاف لنفسه ، فلم يجز قتله كالمنهزم . ( 7066 ) فصل : وإذا
قاتل معهم عبيد ونساء وصبيان ، فهم كالرجل البالغ الحر ، يقاتلون مقبلين ، ويتركون مدبرين ; لأن قتالهم للدفع ، ولو أراد أحد هؤلاء قتل إنسان ، جاز دفعه وقتاله ، وإن أتى على نفسه ; ولذلك قلنا في أهل الحرب إذا كان معهم النساء والصبيان ، يقاتلون : قوتلوا ، وقتلوا .