صفحة جزء
( 7990 ) مسألة ; قال : ومن حلف فهو مخير في الكفارة قبل الحنث وبعده ، وسواء كانت الكفارة صوما ، أو غيره ، إلا في الظهار والحرام ، فعليه الكفارة قبل الحنث الظهار والحرام شيء واحد ، وإنما عطف أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظين ، ولا خلاف بين العلماء ، فيما علمناه ، في وجوب تقديم كفارته على الوطء ، والأصل فيه قول الله تعالى : { فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا } . فأما كفارة سائر الأيمان ، فإنها تجوز قبل الحنث وبعده ، صوما كانت أو غيره ، في قول أكثر أهل العلم . وبه قال مالك وممن روي عنه جواز تقديم التكفير عمر بن الخطاب ، وابنه ، وابن عباس وسلمان الفارسي ، ومسلمة بن مخلد رضي الله عنهم ، وبه قال الحسن ، وابن سيرين ، وربيعة ، والأوزاعي ، والثوري ، وابن المبارك ، وإسحاق ، وأبو عبيد ، وأبو خيثمة ، وسليمان بن داود . وقال أصحاب الرأي : لا تجزئ الكفارة قبل الحنث ; لأنه تكفير [ ص: 411 ] قبل وجود سببه ، فأشبه ما لو كفر قبل اليمين ، ودليل ذلك أن سبب التكفير الحنث ، إذ هو هتك الاسم المعظم المحترم ، ولم يوجد .

وقال الشافعي كقولنا في الإعتاق والإطعام والكسوة ، وكقولهم في الصيام ، من أجل أنه عبادة بدنية . فلم يجز فعله قبل وجوبه لغير مشقة ، كالصلاة . ولنا ، ما روى عبد الرحمن بن سمرة ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا حلفت على يمين ، فرأيت غيرها خيرا منها ، فكفر عن يمينك ، ثم ائت الذي هو خير } رواه أبو داود . وفي لفظ : { وأت الذي هو خير } رواه البخاري ، والأثرم وروى أبو هريرة ، وأبو الدرداء ، وعدي بن حاتم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك . رواه الأثرم .

وعن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إني إن شاء لا أحلف على يمين ، فأرى غيرها خيرا منها ، إلا كفرت عن يميني ، وأتيت الذي هو خير . أو أتيت الذي هو خير ، وكفرت عن يميني } رواه البخاري . ولأنه كفر بعد وجود السبب ، فأجزأ ، كما لو كفر بعد الجرح ، وقبل الزهوق ، والسبب هو اليمين بدليل قوله تعالى { ذلك كفارة أيمانكم } . وقوله سبحانه { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } .

وقول النبي صلى الله عليه وسلم { وكفرت عن يميني وكفر عن يمينك } . وتسمية الكفارة كفارة اليمين ، وبهذا ينفصل عما ذكروه ، فإن الحنث شرط وليس بسبب ، وتعجيل حق المال بعد وجود سببه وقبل وجود شرطه جائز ، بدليل تعجيل الزكاة بعد وجود النصاب وقبل الحول ، وكفارة القتل بعد الجرح وقبل الزهوق . قال ابن عبد البر : العجب من أصحاب أبي حنيفة ، أجازوا تقديم الزكاة من غير أن يرووا فيها مثل هذه الآثار الواردة في تقديم الكفارة ، ويأبون تقديم الكفارة مع كثرة الرواية الواردة فيها ، والحجة في السنة ، ومن خالفها محجوج بها .

فأما أصحاب الشافعي فهم محجوجون بالأحاديث ، مع أنهم قد احتجوا بها في البعض ، وخالفوها في البعض ، وفرقوا بين ما جمع بينه النص ولأن [ ص: 412 ] الصيام نوع تكفير ، فجاز قبل الحنث ، كالتكفير بالمال ، وقياس الكفارة على الكفارة أولى من قياسها على الصلاة المفروضة بأصل الوضع .

التالي السابق


الخدمات العلمية