( 8013 ) مسألة ; قال : وإذا
حلف ، فتأول في يمينه ، فله تأويله إذا كان مظلوما ، وإن كان ظالما ، لم ينفعه تأويله ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=44298يمينك على ما يصدقك به صاحبك } معنى التأويل ، أن يقصد بكلامه محتملا يخالف ظاهره ، نحو أن يحلف إنه أخي ، يقصد أخوة الإسلام ، أو المشابهة ، أو يعني بالسقف والبناء السماء ، وبالبساط والفراش الأرض ، وبالأوتاد الجبال ، وباللباس الليل ، أو يقول : ما رأيت فلانا . يعني ما ضربت رئته . ولا ذكرته . يريد ما قطعت ذكره . أو يقول : جواري أحرار . يعني سفنه . ونسائي طوالق . يعني نساء الأقارب منه .
أو يقول : ما كاتبت فلانا ، ولا عرفته ، ولا أعلمته ، ولا سألته حاجة ، ولا أكلت له دجاجة ، ولا فروجة ، ولا شربت له ماء ، ولا في بيتي فرش ولا حصير ، ولا بارية وينوي بالمكاتبة مكاتبة الرقيق ، وبالتعريف جعله عريفا ، وبالإعلام جعله أعلم الشفة ، والحاجة شجرة صغيرة ، والدجاجة الكنة من الغزل ، والفروجة الدراعة ، والفرش صغار الإبل ، والحصير الحبس ، والبارية السكين التي يبرى بها . أو يقول : ما لفلان عندي وديعة ، ولا شيء . يعني ب " ما " " الذي " . أو يقول : ما فلان هاهنا . ويعني موضعا بعينه . أو يقول : والله ما أكلت من هذا شيئا ، ولا أخذت منه . يعني الباقي بعد أخذه وأكله .
فهذا وأشباهه مما يسبق إلى فهم السامع خلافه ، إذا عناه بيمينه ، فهو تأويل ; لأنه خلاف الظاهر .
ولا يخلو حال الحالف المتأول ، من ثلاثة أحوال ; أحدها ; أن يكون مظلوما ، مثل من يستحلفه ظالم على شيء ، لو صدقه لظلمه ، أو ظلم غيره ، أو نال مسلما منه ضرر .
فهذا له تأويله . قال
مهنا : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، عن
رجل له امرأتان ، اسم كل واحدة منهما فاطمة ، فماتت واحدة منهما ، فحلف بطلاق فاطمة ، ونوى التي ماتت ؟ قال : إن كان المستحلف له ظالما ، فالنية نية صاحب الطلاق ، وإن كان المطلق هو الظالم ، فالنية نية الذي استحلف .
وقد روى
أبو داود ، بإسناده عن
سويد بن حنظلة ، قال : خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا
nindex.php?page=showalam&ids=101وائل بن حجر ، فأخذه عدو له ، فتحرج القوم أن يحلفوا ، فحلفت أنه أخي ، فخلى سبيله ، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15196أنت أبرهم وأصدقهم ، المسلم أخو المسلم } وقال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11982إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب } . يعني سعة المعاريض التي يوهم
[ ص: 421 ] بها السامع غير ما عناه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين : الكلام أوسع من أن يكذب ظريف يعني لا يحتاج أن يكذب ; لكثرة المعاريض ، وخص الظريف بذلك ; يعني به الكيس الفطن ، فإنه يفطن للتأويل ، فلا حاجة به إلى الكذب . الحال الثاني ، أن يكون الحالف ظالما ، كالذي يستحلفه الحاكم على حق عنده ، فهذا ينصرف يمينه إلى ظاهر اللفظ الذي عناه المستحلف ، ولا ينفع الحالف تأويله . وبهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . ولا نعلم فيه مخالفا فإن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=44298يمينك على ما يصدقك به صاحبك } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، وأبو داود وعن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15851اليمين على نية المستحلف } . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، وقالت
عائشة : اليمين على ما وقع للمحلوف له ولأنه لو ساغ التأويل ، لبطل المعنى المبتغى باليمين ، إذ مقصودها تخويف الحالف ليرتدع عن الجحود ، خوفا من عاقبة اليمين الكاذبة ، فمتى ساغ التأويل له ، انتفى ذلك ، وصار التأويل وسيلة إلى جحد الحقوق ، ولا نعلم في هذا خلافا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم ، في
رجل استحلفه السلطان بالطلاق على شيء ، فورى في يمينه إلى شيء آخر : أجزأ عنه ، وإن كان ظالما لم تجزئ عنه التورية الحال الثالث ، لم يكن ظالما ولا مظلوما ، فظاهر كلام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، أن له تأويله ، فروي أن
مهنا كان عنده ، هو
والمروذي وجماعة ، فجاء رجل يطلب
المروذي ، ولم يرد
المروذي أن يكلمه ، فوضع
مهنا أصبعه في كفه ، وقال : ليس
المروذي هاهنا ، وما يصنع
المروذي هاهنا ؟ يريد : ليس هو في كفه .
ولم ينكر ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبو عبد الله وروي أن
مهنا قال له : إني أريد الخروج - يعني السفر إلى بلده - وأحب أن تسمعني الجزء الفلاني . فأسمعه إياه ، ثم رآه بعد ذلك ، فقال : ألم تقل إنك تريد الخروج ؟ فقال له
مهنا : قلت لك : إني أريد الخروج الآن ؟ فلم ينكر عليه . وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . ولا نعلم في هذا خلافا . روى
سعيد ، عن
جرير عن
المغيرة ، قال : كان إذا طلب إنسان
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم ، ولم يرد
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم أن يلقاه ، خرجت إليه الخادم ، وقالت : اطلبوه في المسجد .
وقال له رجل : إني ذكرت رجلا بشيء ، فكيف لي أن أعتذر إليه ؟ قال : قل له : والله إن الله يعلم ما قلت من ذلك من شيء . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ، ولا يقول إلا حقا ومزاحه أن يوهم السامع بكلامه غير ما عناه ، وهو التأويل ، فقال لعجوز : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30130لا تدخل الجنة عجوز } . يعني أن الله ينشئهن أبكارا عربا أترابا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس : إن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، احملني . فقال رسول الله {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12295 : إنا حاملوك على ولد الناقة . قال : وما أصنع بولد الناقة ؟ قال : وهل تلد الإبل إلا النوق ؟ } . رواه
أبو داود .
وقال لامرأة وقد ذكرت له زوجها : أهو الذي في عينه بياض فقالت : يا رسول الله ، إنه لصحيح العين . وأراد النبي صلى الله عليه وسلم البياض الذي حول الحدق .
وقال لرجل احتضنه من ورائه : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37629من يشتري هذا العبد ؟ فقال : يا رسول الله ، تجدني إذا كاسدا . قال : لكنك عند الله لست بكاسد } وهذا كله من التأويل والمعاريض ، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حقا ، فقال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12855لا أقول إلا حقا } .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح ، أنه خرج من عند
زياد ، وقد حضره الموت ، فقيل له : كيف تركت الأمير ؟ قال : تركته يأمر وينهى . فلما مات قيل له : كيف قلت ذلك ؟ قال : تركته يأمر بالصبر ، وينهى عن البكاء والجزع .
ويروى عن
شقيق ، أن رجلا خطب امرأة ، وتحته أخرى ، فقالوا : لا نزوجك حتى تطلق امرأتك . فقال : اشهدوا أني قد طلقت ثلاثا . فزوجوه ، فأقام على امرأته ، فقالوا : قد طلقت ثلاثا قال : ألم تعلموا أنه كان
[ ص: 422 ] لي ثلاث نسوة فطلقتهن قالوا : بلى . قال قد طلقت ثلاثا . فقالوا : ما هذا أردنا . فذكر ذلك
شقيق nindex.php?page=showalam&ids=7لعثمان فجعلها نيته .
وروي عن
الشعبي ، أنه كان في مجلس ، فنظر إليه رجل ظن أنه طلب منه التعريف به والثناء عليه ، فقال
الشعبي : إن له بيتا وشرفا . فقيل
للشعبي بعد ما ذهب الرجل : تعرفه ؟ قال : لا ، ولكنه نظر إلي . قيل : فكيف أثنيت عليه ؟ قال : شرفه أذناه ، وبيته الذي يسكنه . وروي أن رجلا أخذ على شراب ، فقيل له : من أنت ؟ فقال :
أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره وإن نزلت يوما فسوف تعود ترى الناس أفواجا على باب داره
فمنهم قيام حولها وقعود
فظنوه شريفا ، فخلوا سبيله ، فسألوا عنه ، فإذا هو
ابن الباقلاني .
وأخذ
الخوارج رافضيا ، فقالوا له : تبرأ من
عثمان nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي . فقال : أنا من
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، ومن
عثمان بريء . فهذا وشبهه هو التأويل الذي لا يعذر به الظالم ، ويسوغ لغيره مظلوما كان أو غير مظلوم ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك في المزاح من غير حاجة به إليه .