صفحة جزء
( 8178 ) مسألة ; قال : ( ومن نذر أن يصوم ، وهو شيخ كبير لا يطيق الصيام ، كفر كفارة يمين ، وأطعم لكل يوم مسكينا ) وجملته أن من نذر طاعة لا يطيقها ، أو كان قادرا عليها ، فعجز عنها ، فعليه كفارة يمين ; لما روى عقبة بن عامر ، قال : { نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية ، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته ، فقال : لتمش ، ولتركب } متفق عليه .

ولأبي داود : { وتكفر يمينها } . وللترمذي : { ولتصم ثلاثة أيام } . وعن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا نذر في معصية الله ، وكفارته كفارة يمين . قال : ومن نذر نذرا لا يطيقه ، فكفارته كفارة يمين . } رواه أبو داود ، وقال : وقفه من رواه عن ابن عباس . [ ص: 73 ] وقال ابن عباس : من نذر نذرا لم يسمه ، فكفارته كفارة يمين ، ومن نذر نذرا في معصية ، فكفارته كفارة يمين ، ومن نذر نذرا لا يطيقه ، فكفارته كفارة يمين ، ومن نذر نذرا يطيقه ، فليف الله بما نذر . فإذا كفر ، وكان المنذور غير الصيام ، لم يلزمه شيء آخر .

وإن كان صياما . فعن أحمد روايتان ; إحداهما ، يلزمه لكل يوم إطعام مسكين . قال القاضي : وهذه أصح ; لأنه صوم وجد سبب إيجابه عينا ، فإذا عجز عنه ، لزمه أن يطعم عن كل يوم مسكينا ، كصيام رمضان ، ولأن المطلق من كلام الآدميين يحمل على المعهود شرعا ، ولو عجز عن الصوم المشروع ، أطعم عن كل يوم مسكينا ، وكذلك إذا عجز عن الصوم المنذور .

والثانية ، لا يلزمه شيء آخر من إطعام ولا غيره ; لقوله عليه السلام { : ومن نذر نذرا لا يطيقه ، فكفارته كفارة يمين } . وهذا يقتضي أن تكون كفارة اليمين جميع كفارته ، ولأنه نذر عجز عن الوفاء به ، فكان الواجب فيه كفارة يمين ، كسائر النذور ، ولأن موجب النذر موجب اليمين ، إلا مع إمكان الوفاء به إذا كان قربة ، ولا يصح قياسه على صوم رمضان ; لوجهين ; أحدهما ، أن رمضان يطعم عنه عند العجز بالموت ، فكذلك في الحياة ، وهذا بخلافه ، ولأن صوم رمضان آكد ; بدليل وجوب الكفارة بالجماع فيه ، وعظم إثم من أفطر بغير عذر .

والثاني ، أن قياس المنذور على المنذور أولى من قياسه على المفروض بأصل الشرع ، ولأن هذا قد وجبت فيه كفارة ، فأجزأت عنه ، بخلاف المشروع . وقولهم : إن المطلق من كلام الآدمي محمول على المعهود في الشرع . قلنا : ليس هذا بمطلق ، وإنما هو منذور معين ، ويتخرج أن لا تلزمه كفارة في العجز عنه ، كما في العجز الواجب بأصل الشرع .

( 8179 ) فصل : وإن عجز لعارض يرجى زواله ، من مرض ، أو نحوه انتظر زواله ، ولا تلزمه كفارة ولا غيرها لأنه لم يفت الوقت ، فيشبه المريض في شهر رمضان ، فإن استمر عجزه إلى أن صار غير مرجو الزوال ، صار إلى الكفارة والفدية ، على ما ذكرنا من الخلاف فيه . فإن كان العجز المرجو الزوال عن صوم معين ، فات وقته ، انتظر الإمكان ليقضيه . وهل تلزمه لفوات الوقت كفارة ؟ على روايتين ، ذكرهما أبو الخطاب ; إحداهما ، تجب الكفارة لأنه أخل بما نذره على وجهه ، فلزمته الكفارة ، كما لو نذر المشي إلى بيت الله الحرام فعجز ، ولأن النذر كاليمين ، ولو حلف ليصومن هذا الشهر ، فأفطره لعذر . لزمته كفارة ، كذا هاهنا .

والثانية ، لا تلزمه ; لأنه أتى بصيام أجزأه عن نذره من غير تفريط منه ، فلم تلزمه كفارة يمين ، كما لو صام ما عينه . ( 8180 ) فصل : وإن نذر غير الصيام ، فعجز عنه ، كالصلاة ونحوها ، فليس عليه إلا الكفارة لأن الشرع لم يجعل لذلك بدلا يصار إليه ، فوجبت الكفارة ; لمخالفته نذره فقط وإن عجز عنه لعارض ، فحكمه حكم الصيام سواء ، فيما فصلناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية