صفحة جزء
( 8276 ) فصل : ولا يسمع الحاكم الدعوى إلا محررة ، إلا في الوصية والإقرار ; لأن الحاكم يسأل المدعى عليه عما ادعاه ، فإن اعترف به لزمه ، ولا يمكنه أن تلزمه مجهولة ويفارق الإقرار ; فإن الحق عليه ، فلا يسقط بتركه إثباته ، وإنما صحت الدعوى في الوصية مجهولة ; لأنها تصح مجهولة ; فإنه لو وصى له بشيء أو سهم صح ، فلا يمكنه أن يدعيها إلا مجهولة كما ثبت ، وكذلك الإقرار ، لما صح أن يقر بمجهول ، صح لخصمه أن يدعي عليه أنه أقر له بمجهول .

إذا ثبت هذا ، فإن كان المدعى أثمانا ، فلا بد من ذكر ثلاثة أشياء ; الجنس ، والنوع ، والقدر ، فيقول [ ص: 123 ] عشرة دنانير بصرية . وإن اختلفت بالصحاح والمكسرة ، قال : صحاح . أو قال : مكسرة .

وإن كانت الدعوى في غير الأثمان ، وكانت عينا تنضبط بالصفات ، كالحبوب والثياب والحيوان ، احتاج أن يذكر الصفات التي تشترط في السلم ، وإن ذكر القيمة كان آكد ، إلا أن الصفة تغني فيه كما تغني في العقد .

وإن كانت جواهر ونحوها مما لا ينضبط بالصفة ، فلا بد من ذكر قيمتها ; لأنها لا تنضبط إلا بها . وإن كان المدعى تالفا ، وهو مما له مثل ، كالمكيل والموزون ، ادعى مثله ، وضبطه بصفته . وإن كان مما لا مثل له ، كالنبات والحيوان ، ادعى قيمته ; لأنها تجب بتلفه .

وإن كان التالف شيئا محلى بفضة أو بذهب ، قومه بغير جنس حليته ، وإن كان محلى بذهب وفضة ، قومه بما شاء منهما ; لأنه موضع حاجة . وإن كان المدعى عقارا ، فلا بد من بيان موضعه وحدوده ، فيدعي أن هذه الدار بحدودها وحقوقها لي ، وأنها في يده ظلما ، وأنا أطالبه بردها علي . وإن ادعى عليه أن هذه الدار لي ، وأنه يمنعني منها ، صحت الدعوى وإن لم يقل إنها في يده ; لأنه يجوز أن ينازعه ويمنعه وإن لم تكن في يده .

وإن ادعى جراحة لها أرش معلوم ، كالموضحة من الحر ، جاز أن يدعي الجراحة ولا يذكر أرشها ; لأنه معلوم . وإن كانت من عبد ، أو كانت من حر لا مقدر فيها ، فلا بد من ذكر أرشها . وإن ادعى على أبيه دينا ، لم تسمع الدعوى حتى يدعي أن أباه مات ، وترك في يده مالا ; لأن الولد لا يلزمه قضاء دين والده ما لم يكن كذلك .

ويحتاج أن يذكر تركة أبيه ، ويحررها ، ويذكر قدرها ، كما يصنع في قدر الدين . هكذا ذكره القاضي . والصحيح أنه يحتاج إلى ذكر ثلاثة أشياء ; تحرير دينه ، وموت أبيه ، وأنه وصل إليه من تركة أبيه ما فيه وفاء لدينه . وإن قال : ما فيه وفاء لبعض دينه . احتاج أن يذكر ذلك القدر .

والقول قول المدعى عليه ، في نفي تركة الأب مع يمينه . وإن أنكر موت أبيه ، فالقول قوله مع يمينه ، ويكفيه أن يحلف على نفي العلم ; لأنه على نفي فعل الغير ، وقد يموت ولا يعلم به ابنه ، ويكفيه أن يحلف أن ما وصل إليه من تركة أبيه ما فيه وفاء حقه ، ولا شيء منه ، ولا يلزمه أن يحلف أن أباه لم يخلف شيئا ; لأنه قد يخلف تركة فلا تصل إليه ، فلا يلزمه الإيفاء منه ، فإن لم يحسن المدعي تحرير الدعوى ، فهل للحاكم أن يلقنه تحريرها ؟ يحتمل وجهين ; أحدهما ، يجوز ; لأنه لا ضرر على صاحبه في ذلك . والثاني ، لا يجوز ; لأن فيه إعانة أحد الخصمين في حكومته .

التالي السابق


الخدمات العلمية