( 8315 ) مسألة ; قال : ( وإذا قسم ، طرحت السهام ، فيصير لكل واحد ما وقع سهمه عليه ، إلا أن يتراضيا ، فيكون لكل واحد ما رضي به ) وجملته أن القسمة على ضربين ; قسمة إجبار ، وقسمة تراض . وقد ذكرنا أن
قسمة الإجبار ما أمكن التعديل فيها من غير رد . ولا تخلو من أربعة أقسام ; أحدها ، أن تكون السهام متساوية ، وقيمة أجزاء المقسوم متساوية . الثاني ، أن تكون السهام متساوية ، وقيمة الأجزاء مختلفة . الثالث ، أن تكون السهام مختلفة وقيمة الأجزاء متساوية . الرابع ، أن تكون السهام مختلفة ، والقيمة مختلفة .
فأما الأول ، فمثل أرض بين ستة ، لكل واحد منهم سدسها ، وقيمة أجزاء الأرض متساوية ، فهذه تعدلها بالمساحة ستة أجزاء متساوية ; لأنه يلزم من تعديلها بالمساحة تعديلها بالقيمة ، لتساوي أجزائها في القيمة ، ثم يقرع بينهم ، وكيفما أقرع بينهم جاز ، في ظاهر كلام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد فإنه قال في رواية
أبي داود إن شاء رقاعا ، وإن شاء خواتيم ، يطرح ذلك في حجر من لم يحضر ، ويكون لكل واحد خاتم معين ، ثم يقال : أخرج خاتما على هذا السهم . فمن خرج خاتمه فهو له ، وعلى هذا ، لو أقرع بالحصى أو غيره جاز .
واختار أصحابنا في القرعة أن يكتب رقاعا متساوية بعدد السهام ، وهو هاهنا مخير بين أن يخرج الأسماء على السهام ، وبين إخراج السهام على الأسماء ، فإن أخرج الأسماء على السهام ، كتب في كل رقعة اسم واحد من الشركاء ، وتترك في بنادق طين أو شمع متساوية القدر والوزن ، ويترك في حجر من لم يحضر القسمة ، ويقال له : أخرج بندقة على هذا السهم . فإذا أخرجها كان ذلك السهم لمن خرج اسمه في البندقة ، ثم يخرج أخرى على سهم آخر ، كذلك حتى يبقى الأخير ، فيتعين لمن بقي . وإن اختار إخراج السهام على الأسماء ، كتب في الرقاع أسماء السهام ، فيكتب في رقعة الأول مما يلي جهة كذا ، وفي أخرى الثاني ، حتى يكتب
[ ص: 148 ] الستة ، ثم يخرج الرقعة على واحد بعينه ، فيكون له السهم الذي في الرقعة .
ويفعل ذلك حتى يبقى الأخير ، فيتعين لمن بقي . وذكر
أبو بكر ، أن البنادق تجعل طينا ، وتطرح في ماء ، ويعين واحد ، فأي البنادق انحل الطين عنها ، وخرجت رقعتها على الماء ، فهي له ، وكذلك الثاني والثالث وما بعده ، فإن خرج اثنان أعيد الإقراع والأول أولى وأسهل . القسم الثاني ، أن تكون
السهام متفقة والقيمة مختلفة ، فإن الأرض تعدل بالقيمة ، وتجعل ستة أسهم متساوية القيمة . ويفعل في إخراج السهام مثل الذي قبله سواء ، لا فرق بينهما إلا أن التعديل تم بالسهام ، وها هنا بالقيمة .
القسم الثالث ، أن تكون
القيمة متساوية والسهام مختلفة ; مثل أرض بين ثلاثة ، لأحدهم نصفها ، وللآخر ثلثها ، وللآخر سدسها ، وأجزاؤها متساوية القيمة ، فإنها تجعل سهاما بقدر أقلها ، وهو السدس ، فتجعل ستة أسهم ، وتعدل بالأجزاء ، ويكتب ثلاث رقاع بأسمائهم ، ويخرج رقعة على السهم الأول ، فإن خرجت لصاحب السدس ، أخذه ، ثم يخرج أخرى على الثاني ، فإن خرجت لصاحب الثلث ، أخذ الثاني والثالث ، وكانت الثلاثة الباقية لصاحب النصف بغير قرعة ، وإن خرجت القرعة الثانية لصاحب النصف ، أخذ الثاني والثالث والرابع ، وكان الخامس والسادس لصاحب الثلث ، وإن خرجت القرعة الأولى لصاحب النصف ، أخذ الثلاثة الأول ، وتخرج الثانية على الرابع ، فإن خرجت لصاحب الثلث ، أخذه والذي يليه ، وكان السادس لصاحب السدس ، فإن خرجت الثانية لصاحب السدس ، أخذه ، وأخذ الآخر الخامس والسادس ، وإن خرجت الأولى لصاحب الثلث ، أخذ الأول والثاني ، ثم يخرج الثانية على الثالث ، فإن خرجت لصاحب النصف ، أخذ الثالث والرابع والخامس ، وأخذ الآخر السادس ، وإن خرجت الثانية لصاحب السدس ، أخذه ، وأخذ صاحب النصف ما بقي .
وقيل : تكتب ستة رقاع ، باسم صاحب النصف ثلاث ، وباسم صاحب الثلث اثنان ، وباسم صاحب السدس واحدة . وهذا لا فائدة فيه ; فإن المقصود خروج اسم صاحب النصف ، وإذا كتب ثلاث رقاع حصل المقصود فأغنى . ولا يصح أن يكتب رقاعا بأسماء السهام ، ويخرجها على أسماء الملاك ; لأنه إذا أخرج واحدة فيها السهم الثاني لصاحب السدس ، ثم أخرج أخرى لصاحب النصف أو الثلث فيهما السهم الأول ، احتاج أن يأخذ نصيبه متفرقا ، فيتضرر بذلك .
القسم الرابع ،
إذا اختلفت السهام والقيمة ، فإن القاسم يعدل السهام بالقيمة ، ويجعلها ستة أسهم متساوية القيم ، ثم يخرج الرقاع فيها الأسماء على السهام ، كما ذكرنا في القسم الثالث سواء ، لا فضل بينهما ، إلا أن التعديل هاهنا بالقيم ، وفي التي قبلها بالمساحة . وأما الضرب الثاني ، وهي قسمة التراضي التي فيها رد ، ولا يمكن تعديل السهام إلا أن يجعل مع بعضها عوض ، فهذه لا إجبار فيها ; لأنها معاوضة ، ولا يجبر على المعاوضة ، وكذلك سائر ما لا تجب قسمته ، كالدارين تجعل كل واحدة منهما سهما ، وما يدخل الضرر عليهما بقسمته ، وأشباه هذا ، وقد ذكرنا منه صورا فيما تقدم . إذا ثبت هذا ، فإن قسمة الإجبار تلزم بإخراج القرعة ; لأن قرعة قاسم الحاكم بمنزلة حكمه فيلزم بإخراجها كلزوم حكم الحاكم .
وأما قسمة التراضي ، ففيها وجهان ; أحدهما ، تلزمه أيضا ، كقسمة الإجبار ; لأن القاسم كالحاكم ، وقرعته
[ ص: 149 ] كحكمه . والثاني ، لا تلزم ; لأنها بيع ، والبيع يلزم بالتراضي ، لا بالقرعة ، وإنما القرعة هاهنا لتعريف البائع من المشتري ، فأما إن تراضيا على أن يأخذ كل واحد منهما واحدا من السهمين بغير قرعة ، فإنه يجوز ; لأن الحق لهما ، ولا يخرج عنهما ، وكذلك لو خير أحدهما صاحبه فاختار ، ويلزم هاهنا بالتراضي وتفرقهما ، كما يلزم البيع .