( 8330 ) فصل :
وتحمل الشهادة وأداؤها فرض على الكفاية ; لقول الله تعالى : {
ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } . وقال تعالى : {
ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } . وإنما خص القلب بالإثم ; لأنه موضع العلم بها ، ولأن الشهادة أمانة ، فلزم أداؤها ، كسائر الأمانات . إذا ثبت هذا ، فإن
دعي إلى تحمل شهادة في نكاح أو دين أو غيره ، لزمته الإجابة ، وإن
كانت عنده شهادة فدعي إلى أدائها لزمه ذلك ، فإن قام بالفرض في التحمل أو الأداء اثنان ، سقط عن الجميع ، وإن
[ ص: 155 ] امتنع الكل أثموا ، وإنما يأثم الممتنع إذا لم يكن عليه ضرر ، وكانت شهادته تنفع ، فإن كان عليه ضرر في التحمل أو الأداء ، أو كان ممن لا تقبل شهادته ، أو يحتاج إلى التبذل في التزكية ونحوها ، لم يلزمه ; لقول الله تعالى : {
ولا يضار كاتب ولا شهيد } .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30906لا ضرر ولا ضرار } . ولأنه لا يلزمه أن يضر بنفسه لنفع غيره . وإذا كان ممن لا تقبل شهادته ، لم يجب عليه ; لأن مقصود الشهادة لا يحصل منه . وهل يأثم بالامتناع إذا وجد غيره ممن يقوم مقامه ؟ فيه وجهان : أحدهما ، يأثم ; لأنه قد تعين بدعائه ، ولأنه منهي عن الامتناع بقوله : {
ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } . والثاني ، لا يأثم ; لأن غيره يقوم مقامه ، فلم يتعين في حقه ، كما لو لم يدع إليها . فأما قول الله تعالى : {
ولا يضار كاتب ولا شهيد } .
فقد قرئ بالفتح والرفع ، فمن رفع فهو خبر ، معناه النهي ، ويحتمل معنيين ; أحدهما ، أن يكون الكاتب فاعلا ; أي لا يضر الكاتب والشهيد من يدعوه ، بأن لا يجيب ، أو يكتب ما لم يستكتب ، أو يشهد ما لم يستشهد به . والثاني ، أن يكون " يضار " فعل ما لم يسم فاعله ، فيكون معناه ومعنى الفتح واحدا ; أي لا يضر الكاتب والشهيد بأن يقطعهما عن شغلهما بالكتابة والشهادة ، ويمنعا حاجتهما . واشتقاق الشهادة من المشاهدة ; لأن الشاهد يخبر عما يشاهده . وقيل : لأن الشاهد بخبره جعل الحاكم كالمشاهد للمشهود عليه ، وتسمى بينة ; لأنها تبين ما التبس ، وتكشف الحق فيما اختلف فيه .