( 8397 ) مسألة ; قال : ( وإذا
تاب القاذف ، قبلت شهادته ) وجملته أن القاذف إن كان زوجا ، فحقق قذفه ببينة أو لعان ، أو كان أجنبيا ، فحققه بالبينة أو بإقرار المقذوف ، لم يتعلق بقذفه فسق ، ولا حد ، ولا رد شهادة ، وإن لم يحقق قذفه بشيء من ذلك ، تعلق به وجوب الحد عليه ، والحكم بفسقه ، ورد شهادته ; لقول الله تعالى : {
والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون } . فإن تاب ، لم يسقط عنه الحد ، وزال الفسق ، بلا خلاف . وتقبل شهادته عندنا .
وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=4وأبي الدرداء ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس . وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ،
والشعبي ،
والزهري ،
وعبد الله بن عتبة ،
وجعفر بن أبي ثابت ،
nindex.php?page=showalam&ids=11863وأبو الزناد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16542والبتي ،
وإسحاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبو عبيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر . وذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى بن سعيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15885وربيعة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح ،
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، وأصحاب الرأي : لا تقبل شهادته إذا جلد ، وإن تاب . وعند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، لا
[ ص: 191 ] ترد شهادته قبل الجلد ، وإن لم يتب . فالخلاف معه في فصلين ; أحدهما ، أنه عندنا تسقط شهادته بالقذف إذا لم يحققه ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ، لا تسقط إلا بالجلد . والثاني ، أنه إذا تاب ، قبلت شهادته وإن جلد . وعند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، لا تقبل . وتعلق بقول الله تعالى : {
ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } .
. وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه ، بإسناده عن
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30051لا تجوز شهادة خائن ، ولا محدود في الإسلام } . واحتج في الفصل الآخر بأن القذف قبل حصول الجلد يجوز أن تقوم به البينة ، فلا يجب به التفسيق . ولنا ، في الفصل الأول ، إجماع الصحابة ، رضي الله عنهم ، فإنه يروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، رضي الله عنه أنه كان يقول
لأبي بكرة ، حين شهد على
nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة : تب ، أقبل شهادتك . ولم ينكر ذلك منكر ، فكان إجماعا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : شهد على
المغيرة ثلاثة رجال ;
أبو بكرة ،
ونافع بن الحارث ،
وشبل بن معبد ، ونكل
زياد ، فجلد
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر الثلاثة ، وقال لهم : توبوا ، تقبل شهادتكم . فتاب رجلان ، وقبل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر شهادتهما ،
وأبي أبو بكرة ، فلم يقبل شهادته . وكان قد عاد مثل النصل من العبادة . ولأنه تاب من ذنبه ، فقبلت شهادته ، كالتائب من الزنى ، يحققه أن الزنى أعظم من القذف به ، وكذلك
قتل النفس التي حرم الله ، وسائر الذنوب ، إذا تاب فاعلها ، قبلت شهادته ، فهذا أولى .
وأما الآية ، فهي حجة لنا ، فإنه استثنى التائبين ، بقوله تعالى : {
إلا الذين تابوا } . والاستثناء من النفي إثبات ، فيكون تقديره : {
إلا الذين تابوا } فاقبلوا شهادتهم ، وليسوا بفاسقين . فإن قالوا : إنما يعود الاستثناء إلى الجملة التي تليه ; بدليل أنه لا يعود إلى الجلد . قلنا : بل يعود إليه أيضا ; لأن هذه الجمل معطوف بعضها على بعض بالواو ، وهي للجمع تجعل الجمل كلها كالجملة الواحدة ، فيعود الاستثناء إلى جميعها ، إلا ما منع منه مانع ، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31180لا يؤمن الرجل الرجل في بيته ، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه } . عاد الاستثناء إلى الجملتين جميعا ، ولأن الاستثناء يغاير ما قبله ، فعاد إلى الجمل المعطوف بعضها على بعض بالواو ، كالشرط ، فإنه لو قال : امرأته طالق ، وعبده حر ، إن لم يقم .
عاد الشرط إليهما ، كذا الاستثناء ، بل عود الاستثناء إلى رد الشهادة أولى ; لأن رد الشهادة هو المأمور به ، فيكون هو الحكم ، والتفسيق خرج مخرج الخبر والتعليل لرد الشهادة ، فعود الاستثناء إلى الحكم المقصود ، أولى من رده إلى التعليل ، وحديثهم ضعيف ، يرويه
nindex.php?page=showalam&ids=15689الحجاج بن أرطاة ، وهو ضعيف . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : لم يرفعه من روايته حجة . وقد روي من غير طريقه ، ولم تذكر فيه هذه الزيادة فدل ذلك على أنها من غلطه ، ويدل على خطئه قبول شهادة كل محدود في غير القذف بعد توبته ، ثم لو قدر صحته ، فالمراد به من لم يتب ، بدليل : كل محدود تائب سوى هذا .
وأما الفصل الثاني فدليلنا فيه الآية ، فإنه رتب على رمي المحصنات ثلاثة أشياء ; إيجاب الجلد ، ورد الشهادة ، والفسق ، فيجب أن يثبت رد الشهادة بوجود الرمي الذي لم يمكنه تحقيقه ، كالجلد ; ولأن الرمي هو
[ ص: 192 ] المعصية والذنب الذي يستحق به العقوبة ، وتثبت به المعصية الموجبة لرد الشهادة ، والحد كفارة وتطهير ، فلا يجوز تعليق رد الشهادة به ، وإنما الجلد ، ورد الشهادة حكمان للقذف ، فيثبتان جميعا به ، وتخلف استيفاء أحدهما ، لا يمنع ثبوت الآخر . وقولهم : إنما يتحقق بالجلد .
لا يصح ; لأن الجلد حكم القذف الذي تعذر تحقيقه ، فلا يستوفى قبل تحقق القذف ، وكيف يجوز أن يستوفى حد قبل تحقق سببه ، ويصير متحققا بعده ؟ هذا باطل .