( 8523 ) فصل : فإن
ادعى كل واحد منهما أنك اشتريتها مني بألف ، وأقام بذلك بينة ، واتفق تاريخهما ، مثل أن يقول كل واحد منهما : اشتراها مني مع الزوال ، يوم كذا ليوم واحد ، فهما متعارضتان . فإن قلنا : تسقطان . رجع إلى قول المدعى عليه ، فإن أنكرهما ، حلف لهما ، وبرئ . وإن أقر لأحدهما ، فعليه له الثمن ، ويحلف للآخر . وإن أقر لهما معا ، فعليه لكل واحد منهما الثمن ; لأنه يحتمل أن يشتريها من أحدهما ، ثم يهبها للآخر ويشتريها منه . وإن قال : اشتريتها منكما صفقة واحدة بألف . فقد أقر لكل واحد منهما بنصف الثمن ، وله أن يحلفه على الباقي .
وإن قلنا : يقرع بينهما . فمن خرجت له القرعة ، وجب له الثمن ، ويحلف للآخر ، ويبرأ . وإن قلنا : يقسم . قسم الثمن بينهما ، ويحلف لكل واحد منهما على الباقي . وإن كان التاريخان مختلفين ، أو كانتا مطلقتين ، أو إحداهما مطلقة ، والأخرى مؤرخة ، ثبت العقدان ، ولزمه الثمنان ; لأنه يمكن أن يشتريها من أحدهما ثم يملكها الآخر ، فيشتريها
[ ص: 255 ] منه ، وإذا أمكن صدق البينتين والجمع بينهما ، وجب تصديقهما . فإن قيل : فلم قلتم إنه إذا كان البائع واحدا والمشتري اثنان ، فأقام أحدهما بينة أنه اشتراها في المحرم ، وأقام الآخر بينة أنه اشتراها في صفر ، يكون الشراء الثاني باطلا ؟ قلنا : لأنه إذا ثبت الملك للأول ، لم يبطله بأن يبيعه الثاني ثانيا ، وفي مسألتنا ثبوت شرائه من كل واحد منهما يبطل ملكه ، لأنه لا يجوز أن يشتري ثانيا ملك نفسه ، ويجوز أن يبيع البائع ما ليس له ، فافترقا .
فإن قيل : فإذا كانت البينتان مطلقتين ، أو إحداهما مطلقة ، احتمل أن يكون تاريخهما واحدا ، فيتعارضان ، والأصل براءة ذمة المشهود عليه ، فلا تشغل بالشك . قلنا : إنه متى أمكن صدق البينتين ، وجب تصديقهما ، ولم يكن ثم شك ، وإنما يبقى الوهم ، والوهم لا تبطل به البينة ، لأنها لو بطلت به ، لم يثبت بها حق أصلا ، لأنه ما من بينة إلا ويحتمل أن تكون كاذبة ، أو غير عادلة ، أو متهمة ، أو معارضة ، ولم يلتفت إلى هذا الوهم ، كذا هاهنا .