( 8783 ) فصل : وإذا
جني على المكاتب فيما دون النفس ، فأرش الجناية له ، دون سيده ، لثلاثة معان ; أحدها ، أن كسبه له ، وذلك عوض عما يتعطل بقطع يده من كسبه . والثاني ، أن المكاتبة تستحق المهر في النكاح ، لتعلقه بعضو من أعضائها ، كذلك بدل العضو . والثالث : أن السيد يأخذ مال الكتابة بدلا عن نفس المكاتبة ، فلا يجوز أن يستحق عنه عوضا آخر . ثم لا يخلو من ثلاثة أحوال ; أحدها ،
أن يكون الجاني سيده ، فلا قصاص عليه ; لمعنيين ; أحدهما ، أنه حر ، والمكاتب عبد . والثاني ، أنه مالكه ، ولا يقتص من المالك لمملوكه ، ولكن يجب الأرش ، ولا يجب إلا باندمال الجرح ، على ما ذكرنا في الجنايات . ولأنه قبل الاندمال لا تؤمن سرايته إلى نفسه ، فيسقط أرشه . فإذا ثبت هذا ، فإنه إن سرى الجرح إلى نفسه ، انفسخت الكتابة ، وكان الحكم فيه كما لو قتله .
وإن اندمل الجرح ، وجب أرشه له على سيده ، فإن كان من جنس مال الكتابة ، وقد حل عليه نجم ، تقاصا ، وإن كان من غير جنس مال الكتابة ، أو كان النجم لم يحل ، لم يتقاصا ، ويطالب كل واحد منهما بما يستحقه . وإن اتفقا على أن يجعل أحدهما عوضا عن الآخر ، وكانا من جنسين ، لم يجز ; لأنه بيع دين بدين . فإن قبض أحدهما حقه ، ثم دفعه إلى الآخر ، عوضا عن حقه ، جاز . وإن رضي المكاتب بتعجيل الواجب له عن ما لم يحل من نجومه ، جاز إذا كان من جنس مال الكتابة . الحال الثانية ، إذا
كان الجاني أجنبيا حرا فلا قصاص أيضا ; لأن الحر لا يقتل بالعبد ، ولكن ينظر ; إن سرى الجرح إلى نفسه ، انفسخت الكتابة ، وعلى الجاني قيمته لسيده ، وإن اندمل الجرح ، فعليه أرشه له . فإن أدى الكتابة ، وعتق ، له ثم سرى الجرح إلى نفسه ، وجبت ديته ; لأن اعتبار الضمان بحالة الاستقرار ويكون ذلك لورثته .
فإن كان الجاني السيد ، أو غيره من الورثة ، لم يرث منه شيئا ; لأن القاتل لا يرث ، ويكون لبيت المال
[ ص: 380 ] إن لم يكن له وارث . ومن اعتبر الجناية بحالة ابتدائها ، أوجب على الجاني قيمته ، ويكون لورثته أيضا . الحال الثالث ، إذا
كان الجاني عبدا أو مكاتبا ، فإن كان موجب الجناية القصاص وكانت على النفس ، انفسخت الكتابة ، وسيده مخير بين القصاص والعفو على مال يتعلق برقبة الجاني . وإن كانت فيما دون النفس ، مثل أن يقطع يده أو رجله ، فللمكاتب استيفاء القصاص ، وليس لسيده منعه ، كما أن المريض يقبض ولا يعترض عليه ورثته ، والمفلس يقبض ولا يعترض عليه غرماؤه . وإن عفا على مال ، ثبت له .
وإن عفا مطلقا ، أو إلى غير مال ، انبنى ذلك على الروايتين في موجب العمد ; إن قلنا : موجبه القصاص عينا . صح ، ولم يثبت له مال ، وليس للسيد مطالبته باشتراط مال ; لأن ذلك تكسب ، ولا يملك السيد إجباره على الكسب . وإن قلنا : الواجب أحد أمرين . ثبتت له دية الجرح ; لأنه لما سقط القصاص ، تعين المال ، ولا يصح عفوه عن المال ; لأنه لا يملك التبرع به بغير إذن سيده . وإن صالح على بعض الأرش ، فحكمه حكم العفو إلى غير مال .