صفحة جزء
( 1140 ) مسألة ; قال : ( وإن صلى خلف مشرك أو امرأة أو خنثى مشكل ، أعاد الصلاة ) وجملته أن الكافر لا تصح الصلاة خلفه بحال سواء علم بكفره بعد فراغه من الصلاة ، أو قبل ذلك ، وعلى من صلى وراءه الإعادة . وبهذا قال الشافعي ، وأصحاب الرأي ، وقال أبو ثور ، والمزني : لا إعادة على من صلى خلفه ، وهو لا يعلم ; لأنه ائتم بمن لا يعلم حاله ، فأشبه ما لو ائتم بمحدث . ولنا ، أنه ائتم بمن ليس من أهل الصلاة ، فلم تصح صلاته ، كما لو ائتم بمجنون ، وأما المحدث فيشترط أن لا يعلم حدث نفسه ، والكافر يعلم حال نفسه .

وأما المرأة فلا يصح أن يأتم بها الرجل بحال ، في فرض ولا نافلة ، في قول عامة الفقهاء ، وقال أبو ثور : لا إعادة على من صلى خلفها . وهو قياس قول المزني وقال بعض [ ص: 16 ] أصحابنا : يجوز أن تؤم الرجال في التراويح ، وتكون وراءهم ; لما روي عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل لها مؤذنا يؤذن لها ، وأمرها أن تؤم أهل دارها . } رواه أبو داود . وهذا عام في الرجال والنساء .

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تؤمن امرأة رجلا } ، ولأنها لا تؤذن للرجال ، فلم يجز أن تؤمهم ، كالمجنون . وحديث أم ورقة إنما أذن لها أن تؤم نساء أهل دارها ، كذلك رواه الدارقطني . وهذه زيادة يجب قبولها ، ولو لم يذكر ذلك لتعين حمل الخبر عليه ; لأنه أذن لها أن تؤم في الفرائض ، بدليل أنه جعل لها مؤذنا ، والأذان إنما يشرع في الفرائض ، ولا خلاف في أنها لا تؤمهم في الفرائض ، ولأن تخصيص ذلك بالتراويح واشتراط تأخرها تحكم يخالف الأصول بغير دليل ، فلا يجوز المصير إليه ، ولو قدر ثبوت ذلك لأم ورقة ، لكان خاصا بها ، بدليل أنه لا يشرع لغيرها من النساء أذان ولا إقامة ، فتختص بالإمامة لاختصاصها بالأذان والإقامة .

وأما الخنثى فلا يجوز أن يؤم رجلا ; لأنه يحتمل أن يكون امرأة ، ولا يؤم خنثى مثله ; لأنه يجوز أن يكون الإمام امرأة والمأموم رجلا . ولا يجوز أن تؤمه امرأة لاحتمال أن يكون رجلا . قال القاضي : رأيت لأبي حفص البرمكي أن الخنثى لا تصح صلاته في جماعة ; لأنه إن قام مع الرجال احتمل أن يكون امرأة ، وإن قام مع النساء أو وحده أو ائتم بامرأة احتمل أن يكون رجلا ، وإن أم الرجال احتمل أن يكون امرأة .

وإن أم النساء فقام وسطهن احتمل أنه رجل ، وإن قام بين أيديهن احتمل أنه امرأة ، ويحتمل أن تصح صلاته في هذه الصورة ، وفي صورة أخرى ، وهو أن يقوم في صف الرجال مأموما ; فإن المرأة إذا قامت في صف الرجال لم تبطل صلاتها ولا صلاة من يليها . ( 1141 ) فصل : يكره أن يؤم الرجل نساء أجانب ، لا رجل معهن ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخلو الرجل بالمرأة الأجنبية . ولا بأس أن يؤم ذوات محارمه ، وأن يؤم النساء مع الرجال ، فإن النساء كن يصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ، وقد أم النبي صلى الله عليه وسلم نساء ، وقد أم النبي صلى الله عليه وسلم أنسا وأمه في بيتهم .

( 1142 ) فصل : إذا صلى خلف من شك في إسلامه ، أو كونه خنثى ، فصلاته صحيحة ، ما لم يبن كفره ، وكونه خنثى مشكلا ; لأن الظاهر من المصلين الإسلام ، سيما إذا كان إماما ، والظاهر السلامة من كونه خنثى ، سيما من يؤم الرجال ، فإن تبين بعد الصلاة أنه كان كافرا أو خنثى مشكلا ، فعليه الإعادة على ما بينا . وإن كان الإمام ممن يسلم تارة ويرتد أخرى ، لم يصل خلفه ، حتى يعلم على أي دين هو ، فإن صلى خلفه ، وهو لم يعلم ما هو عليه نظرنا ; فإن كان قد علم قبل الصلاة إسلامه ، وشك في ردته ، فهو مسلم . وإن علم ردته ، وشك في إسلامه ، لم تصح صلاته .

فإن كان علم إسلامه ، فصلى خلفه ، فقال بعد الصلاة : ما كنت أسلمت أو ارتددت . لم تبطل الصلاة ; لأن صلاته كانت صحيحة حكما ، فلا يقبل قول هذا في إبطالها ; لأنه ممن لا يقبل قوله . وإذا صلى خلف من علم ردته ، فقال بعد الصلاة : قد كنت أسلمت . قبل قوله ; لأنه ممن يقبل قوله . [ ص: 17 ] فصل : قال أصحابنا : يحكم بإسلامه بالصلاة ، سواء كان في دار الحرب أو في دار الإسلام ، وسواء صلى جماعة أو فرادى ، فإن أقام بعد ذلك على الإسلام فلا كلام ، وإن لم يقم عليه فهو مرتد ، يجري عليه أحكام المرتدين . وإن مات قبل ظهور ما ينافي الإسلام فهو مسلم يرثه ورثته المسلمون دون الكافرين . وقال أبو حنيفة : إن صلى جماعة أو منفردا في المسجد ، كقولنا ، وإن صلى فرادى في غير المسجد ، لم يحكم بإسلامه .

وقال بعض الشافعية : لا يحكم بإسلامه بحال ; لأن الصلاة من فروع الإسلام ، فلم يصر مسلما بفعلها ، كالحج والصيام ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحقها . } وقال بعضهم : إن صلى في دار الإسلام فليس بمسلم ; لأنه قد يقصد الاستتار بالصلاة ، وإخفاء دينه ، وإن صلى في دار الحرب فهو مسلم ; لأنه لا تهمة في حقه . ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : { نهيت عن قتل المصلين } . وقال : { بيننا وبينهم الصلاة . } فجعل الصلاة حدا بين الإسلام والكفر ، فمن صلى فقد دخل في حد الإسلام ، وقال في المملوك : { فإذا صلى فهو أخوك } .

ولأنها عبادة تختص بالمسلمين ، فالإتيان بها إسلام كالشهادتين ، وأما الحج فإن الكفار كانوا يفعلونه ، والصيام إمساك عن المفطرات ، وقد يفعله من ليس بصائم . ( 1144 ) فصل : فأما صلاته في نفسه ، فأمر بينه وبين الله تعالى ، فإن علم أنه كان قد أسلم ، ثم توضأ وصلى بنية صحيحة ، فصلاته صحيحة ، وإن لم يكن كذلك ، فعليه الإعادة ، لأن الوضوء لا يصح من كافر ، وإذا لم يسلم قبل الصلاة ، كان حال شروعه فيها غير مسلم ، ولا متطهر ، فلم يصح منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية