الفصل السادس
المتاجرة بالخلاف خيانة عظيمة
بذلت جهدا كبيرا ردم الفجوات التي تفصل بين الشباب المسلم، فإنه لأمر مفزع أن يشجر الخلاف بين المسلمين الآن وأعداؤهم يعدون لهم الضربة القاضية بعد ضربات سبقت، أوهت صفوفهم وشعبت أهواءهم..!
إن هـناك أنواعا من الخلاف الفقهي واللغوي لا أخشى منها أبدا، بل أعدها طبيعة البشر الذهنية والنفسية!
أما الخلاف المولود على مصاطب الفراغ والثرثرة، الشاغل لمجالس اللهو والبطالة فهو معصية لله وتوهين للأمة.
ولم يكن هـذا الخلاف موجودا عندما شغلت الأمة برسالتها، وعبأت قواها كلها لتقليم أظافر القوى الباغية على الإسلام، فلما استراحت من هـذه الأعباء [ ص: 125 ] - وما كان لها أن تستريح - أخذت تتحدث في دينها وتتقعر في فهم عالم الغيب، بعدما أراحت نفسها من الكدح في عالم الشهادة..!!
وكان أن أورثنا بلاء كثيرا في قضايا مختلقة، وزاد الطين بلة أن خصومنا شنوا علينا غارة استئصال ونحن ماضون في هـذا اللغو، حتى خشيت أن تجهض النهضة الإسلامية المعاصرة بغباء المولعين بإثارة هـذه القضايا..!!
لما كنت في القاهرة جاءني من أخبرني بأن فتنة وقعت في حلوان بين المصلين! فقلت: لماذا؟
قال:
إن خطيب المسجد تساءل بصوت عال: أين الله؟ ودهش المصلون للسؤال الملقى عليهم! ثم تولى الخطيب الإجابة قائلا: في السماء! وذكر حديثا معروفا في هـذا..
وغضب بعض المصلين لهذه الإجابة التي أوقعت الناس في اللجاج والجدال..
لقد اقشعر جلدي لهذا الحوار وتملكني غضب شديد، وقصة الخطيب والمعترض هـذه تنوقلت هـنا وهناك، وإذا اللجاج يحيا من جديد بين منتسبين للسلف ومنتسبين للخلف!
وقلت: قرة عين لليهودي والنصارى، ومصيبة بعد أخرى للمسلمين الضياع! ولم أجد بدا من الجري هـنا وهناك، أسكب الماء على الحريق، وأشغل الأمة بما يجب أن تشتغل به، وأتحدث عن الخلاف القديم الجديد بما يجمع الشمل، ويبعد الفرقة..
التالي
السابق