تحديد مفهوم التطرف الديني. وعلى أي أساس يقوم؟
إن بيان هـذا التطرف وتحديد المراد به بعلم وبصيرة، هـو الخطوة الأولى في طريق العلاج، ليهلك من هـلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.
ولا قيمة لأي بيان أو حكم هـنا ما لم يكن مستندا إلى المفاهيم الإسلامية الأصيلة، وإلى النصوص والقواعد الشرعية الثابتة، لا إلى الآراء المجردة، وقول فلان أو علان من الناس، فلا حجة في قول أحد دون الله ورسوله، قال تعالى:
( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) (النساء:59) ، وقد اتفقت الأمة، سلفها وخلفها، على أن الرد إلى الله تعالى يعني: الرد إلى كتابه، والرد إلى رسوله صلى الله عليه وسلم يعني: الرد إلى سنته عليه الصلاة والسلام .
وبدون هـذا التوثيق الشرعي لن يعير الشباب المتهم بالتطرف التفاتا إلى فتوى هـذا أو مقال ذاك، وسيضربون عرض الحائط بهذا الاتهام الذي ينكرونه، ويتهمون موجهيه بالتزييف، وتسمية الأشياء بغير أسمائها.
[ ص: 33 ]
وقديما قيل: إن
الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، وهو من هـو في أهل السنة، نسبت إليه تهمة " الرفض " فضاق بهذا الاتهام الرخيص، وقال متحديا:
إن كان رفضا حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي
وحديثا قال أحد الدعاة: اللهم إن كان المتمسك بالكتاب والسنة رجعيا، فأحيني اللهم رجعيا، وأمتني رجعيا، واحشرني في زمرة الرجعيين!
والواقع أن تحديد مفاهيم مثل هـذه الكلمات الشائعة " الرجعية " " الجمود " " التطرف " " التعصب " ونحوها، أمر في غاية الأهمية، حتى لا تترك مادة هـلامية رجراجة، يستخدمها كل فريق كما يحلو له، وتتناولها القوى الفكرية والاجتماعية المختلفة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فيفسرها كل بما شاء وكيف شاء..
وهنا نجد أننا لو تركنا تحديد مفهوم " التطرف الديني " لآراء الناس وأهوائهم لتفرقت بنا السبل، تبعا للأهواء التي لا تتناهى
( ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ) (المؤمنون:71) .