العـودة إلى الأصـول...
هكذا تم قطع رحلة الأميال الآلاف وصلا إلى خط النهاية والفوز العظيم.. وخط النهاية هـا هـنا هـو معانقة المصير المتفرد.. والتحقق بالإحسان..
إن الغربيين يتفوقون اليوم علينا بأشياء وممارسات كثيرة.. ولا ريب أن من أبرز هـذه الأشياء والممارسات هـو قدرتهم على الركض إلى الأهداف، وتجاوز المشي أو الهرولة إليها.. على اختزال حيثيات الزمان والمكان.. على الحفاظ على شدهم وتوترهم المعطاء حتى خط النهاية.. ولن يكون بمقدورنا أن نلاحقهم ونصل إلى مواقعهم، بله أن نسبقهم ما لم نتحقق بالشرط نفسه.. إننا هـنا لا نستعير تقليدا حضاريا من الغرباء، ولكننا نرتد إلى أصولنا، نرجع إلى كتابنا وسنتنا وتقاليد أجدادنا الرواد لكي نعرف كيف يكون السبق الحضاري.. والتحقق.. والإبداع !!..
إن الانتماء للإسلام يعني في -نهاية التحليل- الموافقة المبدئية [ ص: 31 ] على الدخول في عمل مبرمج مرسوم.. والإيمان بالله يعني التحقق بالقناعات الكافية بجدوى هـذا العمل.. أما التقوى فهي تلك الطاقة الفذة التي تشعل مصباح الضمير فيظل متألقا متوهجا حتى يغيب الإنسان في التراب ما دام يشعر في كل عصب وجارحة وخلية أن الله يرقبه وهو يمارس هـذا العمل أو ذاك.. ويجيء الإحسان لكي يضع الإنسان المسلم المؤمن التقي.. في القمة.. في المصاف الأعلى حيث الإحسان.. الإبداع الكامل في كل ما يقدمه الإنسان.. إنه هـا هـنا يقف أمام الله سبحانه... وإن نداء كريما من نبيه صلى الله عليه وسلم ينفخ فيه اللحظة تلو اللحظة ( أن الله يحب منه إذا عمل عملا أن يتقنه ) ..
ومن خلال هـذا المدرج المرسوم بعناية.. عبر هـذا السلم ذي الدرجات العريضة يصعد المسلم ركضا إلى القمة، ويتمكن بالعمل الجماعي المبرمج والاقتناع بحيثياته، وبيقظة الضمير المتوهج، والرغبة العميقة في الإتقان والإبداع، من الوصول إلى الهدف المنشود: التحقق بالقيم الكبرى التي جاء بها الدين والوفاق مع معطياتها.. رغم صعوبة هـذا التحقق وغلاء ثمنه المبهظ، ورغم البعد الشاسع الذي كان يفصل ولا يزال، بين آفاق هـذا الدين وبين المنتمين إليه..
من جهة أخرى، فإن الحركة الإسلامية في العالم، هـي في حقيقة الأمر حركة صوب " الوفاق " من نواميس الموجود، وسنن الطبيعة وقوانين الكون.. لقد انشقت أجيال بني آدم، بهذه الدرجة أو تلك ولهذا السبب أو ذاك، عن الناموس.. وجاء الإسلام -بمفهومه الشامل- لكي يعيدها إلى الانتماء والوفاق.. [ ص: 32 ]
التالي
السابق